آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

كورونا.. النظام الصحي

عبد الرزاق الكوي

مثل وباء كورونا صدمة للبشرية ولغرورها واستكبارها وغطرستها وتبجحها بالتطور التكنولوجي المتقدم التي وصلت له، هذا التقدم لم يقدم خدمة أو ينفع في تقليل الأعداد الكبيرة المصابة بالوباء، فالتكنولوجيا أعطت الإنسان التقدم في وسائل الإتصال والتنقل وجعلت العالم قرية صغيرة لكن أهمية وتسهيل حياة الناس ليس الأهم للحياة رغم الميزانيات والمبالغ المصروفة في هذا المجال، فالوباء كشف أن الجانب الصحي آخر الإهتمامات وحريا أن يكون هو الهم الأول في حياة تكثر فيها الأوبئة والأمراض بسبب طمع الإنسان وأنانيته وحب الذات وما بعده الطوفان.

فالنظام الصحي العالمي ضعيف لا يقارن بالتقدم التكنولوجي والبنية التحتية متهالكة، وعدم استعداد المستشفيات في القدرة على إستقبال المرضى والقيام بالواجب وتوفير المستلزمات الصحية والحد من انتشار الوباء.

فالمخصصات للنظام الصحي كانت الأضعف على النطاق العالمي، فرغم أن الوباء وصل متأخرا لبعض الدول لكن بسبب عدم الإهتمام والتخطيط بان الفشل الذريع وذهبت أرواح ماكانت لتذهب لو وجدت البنية الصالحة الصحية.

فالتفكير الربحي والسريع جعل النظام الصحي آخر الإهتمامات مما يحتم على قادة العالم بتفعيل التفكير الجماعي والعمل المشترك لصالح المصلحة العامة للبشرية وليس لمصلحة خاصة، فعندما يطالب العالم أن يكون أكثر نظافة، وأن يغسل يديه، فكثير من العالم يعيش من دون ماء ولا لقمة عيش ولا مأوى، فكيف يطلب من هذا الفرد أن يكون نظيفا فهو يحلم بقطعة خبز وآخر اهتمامه علبة صابون وقارورة شامبو ودش ماء.

فالعالم اليوم يبتلى بوباء كورونا وهناك أعظم من وباء كورونا مسكوت عنه ولا يحرك ساكن في ضمير الإنسانية، إلا تحركات خجولة وشعورا إنساني على إستحياء ولدته أزمة الوباء، فنرى بارقة أمل فيما يخص الوباء فقط، يتمنى العالم أن تعمم في قضايا كثيرة تخص البشرية وقضاياها المصيرية، حيث عقدت الهند مؤتمرا مع جميع قادة جنوب آسيا عبر تقنية الفيديو كونفرنس للإتفاق على مكافحة الوباء، يعد مشجعا ليعتبر نموذج يحتدى به الإنفكاك من الضغوط المفروضة على تحرك العالم وإستمرار مثل هذا التعاون إلى مجالات أخرى تصب لصالح البشرية المعذبة في أصقاع الأرض من محاربة الفقر والإهتمام بصحة الفقراء والمشردين.

فالسكوت عن الحالة الإنسانية قبل كورونا وتفاقم هذا الوباء مع المجاعة والفقر سوف يولد واقع أكثر مأساوية من الكوارث تذهب ضحاياه ملايين من البشر وعدم الإستقرار واندلاع أزمات عديدة وعنف يعم خطره العالم. فالإنسان كان قبل الوباء وأثناءه لا قيمة له فإذا نجى من الجوع ستفتك به الأمراض.

من البوادر الطيبة في ظل الوباء وفي ظل الحصار المفروض تبرز دول كانت ولا زالت محاصرة تمد يد العون لدول اخرى وتعيش ليس إكتفاء ذاتي من عدد الأطباء بل ترسل أطباء للعالم، وعرضت برنامج إعتماد دول ذاتيا على خبرات مواطينيها والفنيين من أجل صناعة أجهزة تنفس محلية الصنع، في ظل الحصار المفروض عليها في إعتمادها على نفسها وحققت نجاحات متقدمة في اعتمادها على الطاقات المحلية فالحاجة أم الإختراع، في بادرة تكشف أن العالم الثالث أو النامي لا تنقصه العقول من أجل الإبتكار والصناعة، وفي كثير من أنحاء العالم كشف وباء كورونا عدد كبير من الأطباء من العالم الثالث والدول النامية أصحاب مستويات عالية وكفاءات مشهود لها في كثير من المستشفيات العالمية، فالبنية العلمية تحتاج رعاية وتشجيع من دولها حتى لا تظل الدول تحت رحمة الدول الضاغطة والمانحة، وهذا الإهتمام يتنامى ويتزايد ليس على النطاق كل دولة على حده بل بتقارب الدول بين بعضها وتنشيط العلاقات على أساس المصالح المشتركة، وليس إستغلال القوي للضعيف وكل دولة في خصومه مع جارتها، بل تفعيل الجانب التعاوني على الجوانب الأخرى والإلتفات للمطالب الشعبية بالإهتمام بالنظام الصحي على نطاق العالم.

العالم وصل الفضاء ونسى من على الأرض صنع الصاروخ وبقى الإنسان المريض بدون جهاز التنفس، ابتكرحاملة الطائرات ونسى أن يوفر كمام تقي المواطن إنتقال المرض، بنى ناطحات السحاب وغفل أن ينشئ مستشفى يوفر سرير لمريض، استثمر في كل شيء وكان آخر همه أن يستثمر في الإنسان، أوجد نظام الإتصال يغطي ويكتشف العالم ونسى عمل نظام صحي على نطاق محلي.

فالبلدان على المستوى العالمي اليوم سلاحها القوي هو الصحة وهذا واقع ملموس يشاهده اليوم الجميع، وتفعيل كل ما يرتبط بمشاكل الصحة وتطوير البنية التحتية القوية للنظام الصحي والتقليل من مخاطر الأمراض، في ظل عالم ظالم يستغل القوي الضعيف تعود حياة الرفاهية على حساب الآخرين، واذا انتهى وباء كورونا ما يدري ما بعد كورونا فالتلوث البيئي وتغير المناخ وما يتولد عنه من واقع وبيئة حاضنه يكثر فيه المرض وتقل المناعة، كتب الله الخير لهذا البلد وأن تزول هذه الغمة عن هذه الأمة وجميع بلدان العالم قريبا.