آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

وباء المعلومات في زمن كورونا

الدكتور صلاح بوحليقة

أَحدَثَ تفشي وباء كورونا «COVID-19» بداية شهر ديسمبر الماضي إلى يومنا هذا انفجاراً من المعلومات المُضلِلة حول هذا الوباء وطُرق علاجه. أَطْلَقَتْ منظمة الصحة العالمية على ذلك مصطلح ”وباء «أو حُمَّى» المعلومات“ «Infodemic».

يقول أحد المختصين: ”عَكفتُ على دراسة انتشار وتأثير المعلومات المُضلِلة/الخاطئة «Misinformation» المرتبطة بالصحة لعقود من الزمن، لكنني لم أرَ أن هذا الموضوع بالغ الأهمية مثلما يحدث الآن“. قد يُعزى ذلك لضخامة وعالمية أزمة فيروس كورونا، ولصدور معلومات وإرشادات صحية خاطئة من أشخاص لا ينبغي لهم ذلك، مثل بعض السياسيين البارزين.

المختص وغير المختص، رجال الدين والسياسيون وغيرهم، حتى من يعمل في الحقل الطبي غير المختص في علم الوبائيات والميكروبات، الكل أدلى بدلوه. من الأمثلة المنصوح بها كعلاج لكورونا: شرب بول البقر، وتناول المطهرات والمعقمات، الكوكائين، بيرة كورونا، الفودكا، حبة البركة، الزيوت العطرية، ونبات الحرمل، وغيرها مما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة. وإن كنا ندعي أننا نعيش في عصر العلم، إلا أنه لازال للخُرافة دورٌ في حياة الشعوب.

رجال دين من أكثر من ديانة، بعضٌ نصح باستخدام تُراب دُور العبادة كعلاج/وقاية، وبعضٌ باستخدام الرُقية الشرعية، وبعضٌ اتصل بالجن، وآخرون بالمداومة على الصلاة. رجال دين في أكثر من ديانة باتوا يعتقدون أن فيروس كورونا لا يُصيب أبداً أتباع ديانتهم على وجه الخصوص.

كما شَجَّعَ وسَوَّقَ بشدة عدد لا محدود من ممارسي الطب البديل وممارسي الاهتمام بالصحة والمعالجين باليد والمعالجين الشموليين «Holistic healers» استخدام منتجاتهم  وأداء بعض الممارسات/الطقوس، الغير مصرح بها والغير مثبتة علمياً، لتعزيز جهاز الإنسان المناعي بُغية التخلص من هذا الفيروس. ثَبَتَ أن العلاجات البديلة لحد ما تُخفف من حدة الألم وبعض الأعراض النفسية، لكن من غير اللائق خداع الناس بعلاجات سحرية من هذا النوع. الجهات المختصة في كندا، على سبيل المثال، قامت بتضييق الخناق على هؤلاء المُسَوقين لمنتجاتهم البديلة الغير مصرح بها لفيروس كورونا.

فاقَمَتْ منصات التواصل الاجتماعي في نشر هذه الرسائل والمعلومات المغلوطة المُضلِلة، لماذا؟ لأن من يقومون بنشر وترويج تلك الأفكار الغير مثبتة علمياً يستخدمون نوعاً ما لغة علمية، لإضفاء صبغة شرعية لدعواهم ولمنتجاتهم. وأيضاً بسبب عدم وجود أجوبة بسيطة وسهلة لتلك الادعاءات، لكون الحصول على معلومات علمية صحيحة يحتاج لوقت وجهد وليس بالأمر اليسير والمتناول.

كما تمّ الترويج في الأسابيع الماضية بأن أحد العَقارات المستخدمة لعلاج الملاريا هو العلاج الذي سيقضي على فيروس كورونا بنسبة 100% اعتماداً على دراسة صغيرة أُجريت في فرنسا. تلقفت ذلك الخبر وسائل التواصل الاجتماعي في حينه بشكل محموم، حتى أن بعض الناس المصابين في الدول الغربية استخدموا هذا العلاج بدون استشارة طبية. بعد ذلك ثَبَتَ «عبر دراسات طبية أكثر مصداقية» بطلان هذا الادعاء وأن ذلك العَقار ذا فعالية بسيطة.

لذلك عَقَدت منظمة الصحة العالمية بداية شهر أبريل الماضي اجتماعاً في العالم الافتراضي دُعِيَ له باحثون في المجال الطبي، علماء اجتماع، صحفيون، شركات تقنية، وممثلون لبعض الحكومات لمناقشة موضوع المعلومات الصحية الزائفة.

ولحل هذه المشكلة الشائكة والغير سهلة، يقول أحد المختصين: إنّ ”الطريقة المُثلى لمحاربة المعلومات الزائفة هو إغراق المجتمع بمعلومات صحيحة سهلة الفهم وجاذبة، وسهلة المشاركة عبر الأجهزة الذكية“. كما ينبغي «أو يجب» على شركات التواصل الاجتماعي التقليل أو عدم نشر تلك المعلومات الغير صحيحة ووضع ضوابط لذلك. أخذاً بالاعتبار أنه ليس بالأمر الهيّن وربما لوجود صعوبات، نَأْمَل أن يكون جزء من تركة هذه الأزمة العالمية هو الاعتراف أن التسامح مع العلم الزائف «Pseudoscience» قد يؤدي لضرر حقيقي وباهظ.

ملاحظة: تم اقتباس وترجمة بعض الأفكار مع بعض التصرف لمقالة نشرت مُؤخراً في مجلة «Nature» العالمية.

https://www.nature.com/articles/d41586-020-01266-z