آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 1:40 م

شعراء محجورون يواجهون «كورونا» بأعمالهم الأدبية

جهات الإخبارية نوال الجارودي - القطيف

تمكن الشعراء من ترويض الوقت الكوروني الذي يقود دفة العالم منذ أشهر وامتطوه بكل خفة ورشاقة لتولد مع خطواته الكثير من الأعمال الأدبية وتنجز الكثير من الأعمال المعطلة لديهم.

وسعى الكثير من هؤلاء الشعراء التعبير بصوتهم الجهور عن الحالة العامة للأزمة الكورونية التي تعصف بالعالم متناولين الجوانب النفسية والاجتماعية والمادية وغيرها وما أولدته كورونا من تبعات أثر على الجميع، وما بين فكاهة وتندر وشكوى ووصف الحالة النفسية والشعورية تنوعت الأعمال التي كانت المرآة للوضع الراهن.

فحين تمكن البعض من استكمال أعمالهم الأدبية أو العمل عليها مستفيدين من الوقت الذي خلقتهم أزمة كورونا وتجاهلت ذلك سلاحا لمواجهتها، ليكون تأثيرها إيجابيا على النفس بدلا من أن تؤثر سلبا وتخلق حالة تشاؤمية.

وسعت ”جهينة الإخبارية“ من خلال تحقيق مبسط تسليط الضوء على وقت الشعراء خلال هذه الأزمة وكيفية استغلالهم له والاستفادة من تأثيراتها في أعمالهم الأدبية خصوصا.

بوابة المستقبل

وقال الشاعر ياسر الغريب بأنه على الرغم من الضيق الذي ألم بنا مع جائحة كورونا فإنه استطاع التكيف مع الوضع الجديد.

وبين أنه مع إعلان الحجر الصحي أكمل الدروس مع الطلاب عن بعد عبر بوابة المستقبل، وحضور مجموعة من البرامج التدريبية التي تقيمها وزارة التعليم عبر برامج الإنترنت.

إنجاز الأعمال

وأضاف الغريب بأنه بالنسبة للكتابة فلم ينقطع عنها؛ لاتساع الوقت فقد أنجز الكثير من الأعمال منها مراجعته لديوانه الجديد الذي سيرى النور قريبا، كذلك مراجعته لديوان الصديق ناجي حرابة.

وأوضح توالي المشاركات في الاحتفالات الدينية عن طريق اليوتيوب والانستغرام، وعقد الكثير من اللقاءات في برامج زووم وسكايب ودو حيث تناقش مع العديد من الشعراء حول قضايا أدبية مثل الذاتية في الشعر والتناص والقصيدة المنبرية وغيرها.

وقال الغريب أنه خلال الأزمة كتب مجموعة من القصائد والمقطوعات حول هذه الأزمة التي توثق اللحظة الراهنة عبر ثنائية الألم والأمل.

ازدياد الحراك الأدبي

ولفت إلى أنه خلال هذه الأشهر ازداد الحراك الأدبي بصيغته الجديدة فمع توفر وسائل التواصل تعددت الأعمال منها مشاركته في برنامج قواف رمضانية مع الإخوة في سلطنة عمان، وقصيدة ”الحنين إلى المساجد“ المشتركة مع شعراء عرب أشرف عليها الصديق عقيل اللواتي، إضافة إلى مشاركات أخرى محلية وخليجية.

حاضنة الإبداع

وقال الغريب «أستطيع أن أسمي العزلة التي مازلنا نعيشها حاضنة الإبداع أسأل الله أن يزيل الوباء عن العالم بأجمعه».

وقدم الغريب نصه حول الأزمة والتي يقول فيه:

قالت لنا الكرةُ الأرضيةُ: اعتزلوا

يكفي سجلَّ الردى أرقامُ من رحلوا

سمعتُها مثل صوت الأم في خلدي

إذا اعتراها على أبنائها الوَجَلُ

في عزلتي لستُ وحدي؛ إنما أممٌ

مابين أوردتي تسعى وتبتهلُ

واليوم ها أنذا عانقتُ نافذتي

فربما بعد حينٍ يشرق الأملُ

العالم الافتراضي

وبين الشاعر حبيب المعاتيق استفادته من هذا الحجر وملازمته للمنزل في إنجاز الكثير من المتعلقات، منها إنهاءه وضع اللمسات الأخيرة لمجموعة شعرية وهي الآن تحت الإعداد النهائي، كما قام حاليا بترتيب مجموعة شعرية أخرى.

وتحدث عن مشاركته في مجموعة من الأمسيات الشعرية في العالم الافتراضية منها أمسيتين خاصتين وواحدة مع مجموعة من شعراء عرب ولقاء عبر الأثير مع إذاعة الرياض، وأيضا إنجاز مجموعة من النصوص الشعرية المعلقة وشارك ببعضها عبر الفضاء الافتراضي.

وتطرق إلى حضوره مجموعة من الورش والمحاضرات الثقافية والأمسيات الشعرية التي تبث حية عبر الإنترنت.

اقتناص اللحظة

ومن جهته، لفت الشاعر باسم العيثان إلى أن الشاعر والأديب والكاتب بشكل عام يسعى في حياته اليومية الاعتيادية أن يقتنص اللحظة الممكنة للكتابة حينما تحين ولادة فكرتها ويقترب مخاضها.

وأضاف «فنراه يختلق الأعذار عن الالتزام بكل ارتباط غير ارتباط مشيمة النص حتى ينتهي تماما من ولادته فيراه مكتملا تاما سويا».

وذكر العيثان بأن الشاعر يفعل ذلك في أشد زحامه في الأيام الاعتيادية ما بين العمل والأهل والبيت والمجتمع.

وقال بأن فسحة الوقت أعانتهم على اختلاق الفكرة لكتابة أكثر من نص ومشاركته مع المهتمين عبر ما أتاحته التكنلوجيا من قنوات اتصال ووشائج لقاء سيبيري آمن.

وأشار إلى أن الوقت موزع بين القراءة والكتابة ومشاركة كل ذلك مع الأحباء والمهتمين، حيث أن كثير منهم استثمر فائض الوقت في تجهيز نتاجاتهم الأدبية والكتابية كي توفي نذرها باحتلال موقعها في المكتبة العربية وتدفع بعجلة الأدب والثقافة العالمية دفعة نحو الأمام.

الشعر والنتاج الشعري

وانطلق الشاعر فريد النمر موضحا بحسب تتبعه للحالة خلال فترة الجائحة لفيروس كورونا أنه قد نشطت ثلاثة أمور تخص الشعر والنتاج الشعري.

ونوه إلى أن الكثير من الأصدقاء الشعراء التفتوا ومن ضمنهم هو إلى لملمة المهمل والمتناثر من الشعر والقديم لمراجعته وتشذيبه واطلاقه في دفة ديوان شعري يرفد القراء والمكتبة.

وقال بأن الكتابة الشعرية تنوعت بين الإقحام الشعري للفيروس والكتابة بسطحية فجة وبين الإبداع الشعري في ذات العزلة الأعمق وملامسة موضوع الجائحة بمعالجة أدبية راقية من خلال رؤية شاعرة لها دلالتها قبل العزلة الحالية، وكعمل في حيز الشعور والعيش في أجوائها التي لم يتسنى ملامستها لولا هذه الجائحة كواقع.

وتحدث النمر عن تعدد الأمسيات واللقاءات والجلسات الشعرية والحوارية الأدبية عبر منصات مهمة نشّطت أدواتها من بعد عبر الميديا المرئية والمسموعة وألهبت الساحة بقديمها الشعري وجديدها وآخر منعطفات الحالة الشعرية المتصاعدة.

ولفت إلى أن كل هذا صب في حدايقة الشعر الفسيحة والمتسعة عنصر اللذة الشعرية ومن جهة ثانية اشغال الشعراء بما يتنفسوه من شعر لتقديم ما هو أجود واشغال المتلقي بما يتذوقه من إبداع شعري دون أن ينشغل بتسارع الوقت من حوله.

وأكمل النمر «وأن يتأمل المتلقي فيما يلقى من شعر وكصياغة تعيد للمتلقي والشاعر في آن واحد ترتيب الوجدان الشعوري الداخلي من حيث جودة النصوص وما تقدمه من رؤية، وما يتلقى منها ويتسرب من انطباع عام وكأنها فرصة تصالح شعري بين الشاعر والمتلقي فرضتها هذه العزلة وهذه الجائحة».

الإبداع مع صعوبة الظروف

وذكر الشاعر يوسف آل ابريه بأن الإبداع قد يأتي أحيانًا من حيث لا يتوقعه الإنسان، وقد يأتي من أصعب الظروف وأشدها، ومما لم يخطر بالبال.

وقال بأنه كان لأزمة كورونا نافذة عبروا منها إلى الجدّية أحيانًا، وأحيانًا إلى التسلية كمتنفس يخرجهم من ألم الأزمة أو يخففها عنهم ويجعلهم يستفيدوا من الوقت لئلا يذهب سدى.

وتحدث آل ابريه عن تجربته أنه تناول الكتابة الشعرية بنوعيها ”الفصيح أو الشعبي“، مشيرا إلى أن الذي يجعل المرء يزداد تفاعلاً ومواصلة هو تفاعل الآخرين معه في هذا النشاط رغبة منهم في كسر حالة الضيق والهمّ، فكانت لنا طوال هذه الأزمة الكتابات الأدبية وأغلبها الشعرية.

يقول الشاعر يوسف آل ابريه في نص له بعنوان وجعي القصيدة:

وجعي القصيدةُ والهوى أوجاع

فلها انتميتُ وما حوت أضلاع

كالأمّ أهواها وأطلب عفوها

فبجودها تتحقّق الأحلام

عجبي لمن باعوا حليب قصيدهم

ظنّاً بأنّ قصيدَهم أنعام

الشعر يختبز الرغيف لجائع

وينير درب حمائم قد ضاعوا

الشعر صرخة عاشق لترابه

حاشا يبيع ترابه إن باعوا

الشعر وحي يا لعظم نزوله

فهو الجنون وذلك التهيام

الفضاءات داخل القصيدة

وطاف الشاعر أحمد الماجد من خلال إجابته للفضاءات داخل القصيدة حيث يقول المشاوير ما زالت متاحة داخل القصيدة، لم يتم منعها بعد، والتجول داخل الفكرة أصبح مأذونا أكثر أن تدخل إلى جدران الحلم وتهزأ بالواقع، دخول مدهش إلى فيلم الكورونا.

وأكمل الماجد: حيث الشوارع خالية والأشعار مكتظة وتمضي الأيام في زمن الكورونا وكأننا نعيش داخل قصيدة غريبة لم يكتبها أحد.

وأشار إلى أنه يحاول أن يمارس الكتابة لينجز معنىً ويعوضه بمسافة داخل النص توسع من الحيز المحدود داخل المنزل، حيث كتب عدة نصوص خلال هذه الفترة وكتب عدة ذكريات.

جدار العزلة

واخترق الشاعر علي مكي الشيخ في إجابته جدار العزلة كاشفا عما يصبو إليه المشتغلون بها حيث يقول: للعزلة التي يصبو لها المشتغلون.. طقوس تستمرئ نفحات الزمن بكل عبق وعروج.. يقول أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني:

ما تطعمت لذة العيش حتى

صرت للبيت والكتاب جليسا

ليس شيء أعز عندي من العلم

فلا أبتغي سواه أنيسا

واستشهد عن العزلة كما يقول الشاعر الكبير محمود درويش: ”العزلة هي انتقاء نوع الألم والتدرب على تصريف أفعال القلب بحرية العصامي... وأشعر أنني إذا فقدت العزلة فقدت نفسي“.

وأوضح بأن العزلة نشاط ومكان يلجأ له المريد ليعانق محبوبته الفكرة وهي خالية من أي تأثير خارجي.

وبين في استشهاد آخر قوله: لجوء روحي لا غنى عنه.. وبالنسبة للشاعر.. يقول عبد القادر الجنابي:

"إن شيطان الشاعر عزلته.

وذكر بأن العزلة بالنسبة له التي تمر لم تكن شيئا طارئا.. ولا حالة استثنائية.. بل كان يمارسها بشكل يومي.

إكمال بعض المشروعات الكتابية

وأوضح بأنها جاءت بشكل أكثر اتساعا مما جعله أكثر حنايا لإكمال بعض المشروعات الكتابية المؤجلة ومنها كتاب الشاعر العصفور، أبو طالب عبق السماء، قالوا في الإمام علي، محمد بن أبي بكر الفتى العبقري.

وأضاف الشاعر الشيخ بأنه أنهى مجموعته الشعرية الجديدة وهو ديوان ما بعد كرز وهو جاهز للتنسيق ومن ثم الطباعة، كما قضي فترات كثيرة بين صفحات المكتبة بين القراءة والكتابة.

وبين الشيخ بأن من جميل ما انشغل به هو محاولة اصطياد ولملمة بعض الأبيات والمحاولات التي كتبها وكادت أن تضيع في عدة مذكرات وكشاكيل للمسودات.

وأشار إلى أن بعض النصوص أوشك على إلغائها فجمعها ووصلت عنده لأكثر من 80صفحة A5، وفي مجموع آخر جمع بعض المقالات القصيرة والتعليقات النثرية وجمع 40صفحة A5.

وتحدث عن كونهما عملان لمجرد استحضارها وما زال مستمتعا بكل ما يمكنه أن يضيف للمنجز شيئا يستحق القراءة، كما أنه قام بإعادة قراءة بعض المجموعات الشعرية للمرة الثانية والثالثة فقرأ أكثر من عشرين مجموعة وما زال قطار القراءة مسرعا على مدياته المتنوعة بين الشعر والنقد والتفسير والثقافة.

وأردف قائلا «جميل أن يستثمر المرء وقته ليشعر بلذة بقائه ومتعة وجوده».

تجميع الشتات

وعنون الأديب سعود الفرج رده على تساؤلات بقوله ”نجاز في زمن الحجر“: في زمن حجر كورونا وجد نفسه تواقا لتجميع شتات ما كتبه عن زيارات للعديد من بقاع هذه المعمورة والتي بدأت من 1980 إلى 2020.

وقال بأنه لأنه من عشاق الطبيعة والتراث فقد ركز فيها على وصف الطبيعة في تلك الأماكن الرائعة التي كانت تشكل في نظره من خلال المشاهدة كأنها قطع من فراديس جنة حقيقية تستفز البصر وتساعد على الوحي والإلهام.

وبين أن التراث والتاريخ لتلك الأماكن احتل مكانة عبر تلك الكتابة مستعينا أحيانا بكتب التاريخ والنشرات السياحية، مبينًا بأنه قد كون عنده رصيدا غنيا بالمعلومات ساعدته على كتابة وصياغة تلك المواضيع عبر محاولات عدة بقت حبيسة الرفوف والأدراج.

وأشار الأديب الفرج إلى أنه في زمن الحجر هذا وجد الوقت مناسبا لإعادة صياغتها وإضافة ما يمكن إضافته من معلومات مستجدة من أجل تجميعها في كتاب سوف يصدر لاحقا بعد تدقيقها ومراجعتها.

وقت ثمين

ولفت إلى أن هذا الوقت رغم مرارته وقتا ثمينا يجب أن لا يضاع في العزلة والاحتجاب، ولابد من إنجاز شيئا ما بالعزيمة والطموح.

وأكد على أنه قد تحقق ما سعى إليه من خلال ذلك ولم يبقى إلا القليل جدا.

وقال الفرج إن عمر الانسان؛ في هذه الحياة قصير جدا وإذا لم يستغله في العمل والإنتاج سيمضي هذا العمر سريعا بدون جدوى.

تسخر الطاقات

وشدد على ضرورة تسخير الطاقات وكسب الوقت وتحويله إلى عمل إيجابي بدلا من إهداره فيما لا ينفع مؤكدا بأنه وبتوفيق من الله استطاع أن ينجز شيئا ما لو تركه لاندثر وضاع.

وناشد في نفس الوقت جميع أفراد هذا المجتمع بتطبيق جميع التعليمات الصحية والتعاون مع جميع أجهزة الدولة التي سخرت من أجل خدمة المواطن وخاصة الابتعاد عن التجمعات العامة والزيارات المنزلية بشكل جماعي وأخذ الاحترازات الصحية التي أدت إلى عدم تطبيقها إلى زيادة الإصابات بكورونا، كما نشاهده يوميا عبر المؤشر الرسمي لوزارة الصحة.

وقت ثمين للإنتاج والعمل

وقال بأن الحجر المنزلي عامل مهم وناجح للوقاية من هذا الوباء كما أنه وقت ثمين للإنتاج والعمل.

ووصف الشاعر ياسر المطوع أجواء الشاعر قائلا بأن للشاعر أجواء معينة متى ما توفرت في محيطه تفجر نبضه ينبوعًا شعريًا يحاكي هذه الأجواء،

وبين بأنه حتى يكون جريان هذا النبع متناغمًا مع أجوائه ينبغي أن تجتمع ثلاثة أركان وهي انفعال عاطفي بقضية أو بحدث ربما كانت شخصية أو ربما كانت مجتمعية.

وقال إن الركن الثاني هو صفاء ذهني وفكري ينطبع عليه الانفعال العاطفي بلا شوائب فتتجسد لغة متفردة، لكن في الغالب تكون هذه اللغة عصية على الإخراج النهائي مالم يدخل الشاعر في خلوة حقيقية بينه وبين نفسه وهو ثالث أركانها، وذلك كي يكون هو والقصيدة كيان واحد لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

ولفت إلى أنه في مثل هذه الظروف التي يعيشها العالم ومن ضمنهم الشعراء فإن الفرصة حقيقية ومواتية لاجتماع الأركان الثلاثة وبالتالي ربما تكون الساحة الأدبية على موعد مع صفحة من الصفحات الأدبية التي تؤرخ للمرحلة وتطبع بصمة كل شاعر عليها.