آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

منصة زووم

محمد الحرز * صحيفة اليوم

الشاب الصيني إريريك إيوان الذي كان يجد صعوبة كبيرة في التواصل مع حبيبته، حيث كان يعيش في مدينة بعيدة عن مدينته، وكان لا يلقاها في السنة إلا مرتين. لذلك فكر في ابتكار جهاز عن طريقه يستطيع التحدث معها. كان هذا الطالب شغوفا بالعلوم والتكنولوجيا، وبعد أن أكمل دراسته وكان طموحه كبيرا. ففي عام 1997 حصل على فيزا ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وانتسب إلى شركة webex على قرار الشركات الكبرى المتخصصة في التكنولوجيات كفيسبوك، وميكروسوفت وغوغل وغيرها حيث كان مستقرها في وادي السليكون.

كان حلمه بإنشاء منصة يلتقي عليها العشاق ومحبوباتهم بالصوت والصورة مهما ابتعدت المسافات بسهولة ويسر لم يفارقه على الإطلاق. ففي عام 2007م طرح الفكرة على مجلس إدارة شركته. لكنها لم تقتنع بفكرته. عام 2011 استقال من شركته، وبصعوبة كبيرة في التمويل أسس شركته الخاصة جالبا معه أربعين مهندسا مقتنعين بفكرة العمل معه. وفي 2012م نزلت السوق تحت مسمى شركة زووم.

الشركة لم يكن بمقدورها منافسة الشركات الكبرى، وأسهمها في البورصة ليس بحجم تلك الشركات. لكن المفاجأة الكبرى جاءت مع تحول العالم مع جائحة كورونا إلى عالم مختلف لم يألفه أهله سابقا، ولم يشاهدوا في سابق الأزمان أمراضا معدية سببت كل هذا الخلل والعطل في الحياة اليومية: إجراءات التباعد والحظر الإلزامي والانسحاب من الفضاءات العامة القائمة عليها الحضارة المعاصرة.

هذه المفاجأة جعلت الطلب على منصة زووم يتسارع بشكل كبير وسريع خصوصا وأن طريقة استخدامه سهلة وغير معقدة في جميع أنحاء العالم، وتحقق بالتالي حلم الطالب في تجسيد فكرته ومن ثم تعميمها، والهدف البسيط الذي كان يدفعه إلى تحقيقه هو التخلص من مشكلة صعوبة التقاء العشاق.

هذا الطلب رفع من أسهم الشركة في سوق البورصة، وجعلها تدخل في منافسة شديدة مع بقية الشركات. طبعا تم اكتشاف ثغرات أمنية في هذه المنصة، يمكن من خلالها الدخول على معرفات مستخدميها بواسطة «الهكر» والعبث بأجهزتهم والتجسس على معلوماتهم وسرقتها. الشركة من جهتها اعترفت بهذه الثغرة. لكن الموضوع في إطار المنافسة أخذ أبعادا أخرى سياسية بالدرجة الأولى، إذ اتهمت الشركة باعتبارها إحدى أذرع التجسس للحزب الشيوعي الصيني داخل أمريكا. يضاف إلى ذلك، ومن جهتها أعلنت شركة فيسبوك أنها بصدد إنشاء غرفة منصية تنافس فيها منصة زووم وأكثر أمنا ومميزات أكثر.

الحرب التكنولوجية بين الشركات لم تبدأ مع أزمة كورونا. لكن سرعت من وتيرتها بالتأكيد، وأخذتها إلى مسارات لم تكن لتأخذها لولا تفشي مثل هذا الوباء. ما يهمني هنا في إيراد تاريخ هذه المنصة هو تحولات الدوافع التي ارتبطت بها، فمن دوافع بسيطة شخصية بالدرجة الأولى تتعلق بمشكلة عاشقين، إلى دوافع تتعلق بالتجسس والحرب الاقتصادية. دائما في الحضارة المعاصرة ما تكون علاقة الإنسان الفرد بالتكنولوجيا من أجل السيطرة على مسارها، تمر عبر دوافع ذاتية وموضوعية مركبة، وهي عبارة عن مزيج نفسي شعوري اجتماعي ثقافي اقتصادي بحيث تشكل في مجملها الصفات العامة للحياة المعاصرة بشكل عام.

فكل تطور تكنولوجي في عالمنا المعاصر يبدأ كما رأينا برغبات صغيرة ثم تشتبك المسارات وتتشعب في مجالات عديدة سياسية، يتدخل فيها السياسي إزاء الاقتصادي والديني إزاء الروحي والاجتماعي والتقني إزاء المعرفي. وكأن الآلة المصنوعة هي حصيلة كل هذا وأكثر، وكما في منصة زووم لم تعد مجرد وسيط اتصالي بين أفراد حول العالم، بل أصبحت جزءا من الشخصية العامة عالميا، تتدخل في تركيبته الروحية، وتتحكم في مساره الحياتي، وما زاد في تحكمها وتدخلها انعطافة العالم بعد أزمة كورونا.