آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

الجهل.. الثمن

محمد أحمد التاروتي *

غياب الصورة الكاملة معضلة كبرى بالنسبة للعقل الفردي والعقل الجمعي، حيث تتسبب في العديد من الإشكالات، بحيث تظهر الجانب السلبي، وتسقط ورقة التوت التي تستر ”العورة“، مما يدفع لاتخاذ مواقف مسبقة، سواء كانت مؤيدة او معارضة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ، فهناك اطراف تتحيز ضد فئات او جماعات دون وعي، نظرا لانعدام القدرة على قراءة المشهد بشكل كامل أحيانا، وأحيانا أخرى نتيجة العصبية او القبلية او العاطفية، بينما تمارس بعض الأطراف أدوارا خطيرة في التعاطي مع الاخرين، استنادا الى روايات ”منقوصة“، بحيث تعمد لانتهاج سياسة ”القطيعة“ دون مبررات منطقية، الامر الذي يدخل العديد من الشرائح الاجتماعية في صدامات كلامية عنيفة، وبالتالي فان الوقوف الى جانب احد الأطراف يتطلب استكشاف الحقائق، وإزالة الغبار بشكل كامل عن المشهد العام، لتفادي الانخراط في مشاحنات اجتماعية وكذلك للتعامل بعقلانية عوضا من التعاطي بنوع من العاطفية، او الوقوف الى جانب احدى الجماعات دون وعي او معرفة حقيقية.

الجهل مرض خطير على الصعيد الشخصي، فالجاهل يتسبب في اثارة الكثير من المشاكل ”يا كُمَيْلُ، العلمُ خيرٌ من المالِ؛ العلمُ يَحرسُك وأنت تَحرُسُ المالَ، والعِلمُ يزكو على الإنفاقِ والمالُ تَنقُصُه النفقةُ“، وبالتالي فان التحري والدقة قبل اتخاذ المواقف تحاه الاخرين، يقضي على الكثير من الإشكالات، ويمنع الدخول في الصراعات على اختلافها، ”اذا عرف السبب بطل العجب“، بمعنى اخر، فان التحرك الاعمى يقود الى المزالق واثارة الكثير من المشاكل، نظرا لغياب القدرة على الابصار بالطريقة المناسبة، مما يحدث حالة من الشقاق الداخلي في الكثير من المجالات.

بالإضافة لذلك، فان الجهل يقضي على المجتمعات البشرية، فالكيانات الجاهلة غير قادرة على النهوض، لمواجهة التحديات على اختلافها، نظرا لتغلغل الخرافات في العقول، وتصدر الجهلة وأنصاف ”العلم“ المشهد الاجتماعي، مما يعيق الحركة التنموية، ويعطل المسيرة الجمعية لمختلف الشرائح الاجتماعية، فدخول العلم في العقول يساعد في طرد الكثير من الممارسات الخاطئة على الصعيد الجمعي، خصوصا وان تصدر ”الجهلة“ للمشهد العام، يدخل الجميع في دوامة تتطلب الكثير من العمل، بغرض إعادة الأمور لنصابها الصحيح، نتيجة انحراف مؤشر البوصلة في اتجاهات غير صائبة، مما يشكل عائقا في قدرة المجتمع على تجاوز الإشكالات الكبرى.

الثمن الذي يدفعه الجاهل يصعب تصوره على الاطلاق، فهو لا ينحصر على الاطار الضيق، وانما يشمل مختلف المجالات الحياتية، ”العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس“، فالجاهل يقع فريسة سهلة في اغلب الامتحانات الحياتية والمصيرية، وكذلك يسقط بسهولة في الافخاخ المنصوبة، نظرا لانعدام القدرة على القراءة الدقيقة للمجريات والتحولات الاجتماعية، مما يدفع للانخراط في المسارات الخاطئة، والدخول في السجالات غير النافعة، بحيث تنعكس سلبيا على المسيرة الحياتية، والخروج بخسائر فادحة في جميع المعارك الحياتية، خصوصا وان الجاهل غير قادر على الاختيار الصائب، والوقوف مع الطرف المنتصر.

الخروج من دائرة الجهل عملية فردية وجمعية في الوقت نفسه، فالفرد يتحمل مسؤولية كبرى لمعالجة القصور الذاتي، من خلال التواصل والانخراط في المجالات، القادرة على اغلاق باب الجهل والدخول في ميدان العلم والمعرفة، فهناك العديد من الممارسات القادرة على احداث الأثر الكبير لاستنارة العقول الجاهلة، من اجل انهاء التخبط وغياب الرؤية الواضحة، مما يمهد لاستعادة التوازن مجددا، بحيث تظهر على شكل مواقف صائبة وبعيدة عن الاسقاطات الخطيرة.

التحرك الجمعي يدفع البيئة الاجتماعية، للخروج من حالة الضياع والتخبط المدمر، لاسيما وان تحديد الهدف الكبير يولد عزيمة وطاقة كبرى، بحيث تظهر على اشكال متعددة والحرص على اتخاذ المسارات الواضحة، لاسيما وان العقل الجمعي يخلق اثر ملموسا في الوسط الاجتماعي، فتارة تكون بالاتجاه السلبي، والأخرى نحو المجال الإيجابي، وبالتالي فان الحرص على إزالة الضبابية عن العيون، يمهد الطريق للكيان الاجتماعي لانتهاج سبيل الخلاص، والابتعاد عن الطريق المتعرج او الخاطئ، خصوصا وان ضريبة الجهل كبرى للغاية يصعب تحملها في كثير الأحيان، نظرا لتداعيات هذا المرض على الصعيد الاجتماعي أولا، والشخصي ثانيا، مما يستدعي معالجة الجهل عبر وضع إطارات قادرة، على استعادة التوازن بشكل متدرج وعقلاني.

كاتب صحفي