آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

فرص من رحم الجائحة «12»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

جائحة كورونا هي أكبر خطر صحي تعرض إليه العالم منذ عام 1918، ولم تسبقها جائحة في اضطرارها أجزاء واسعة من العالم للإغلاق التام والوقوع تحت الحظر لأسابيع ممتدة. وقد حاولت جهات عديدة تقدير حجم الضرر الاقتصادي الذي ألحقته وتلحقه الجائحة في العالم، لكن تلكم المحاولات لا تعدو كونها محاولات، وسيتبين مقدار الضرر عندما يحط الغبار وتنقشع الجائحة قريبا بإذن الله. ومع ذلك فالتقديرات المتشائمة نوعا ما قدرت انكماش الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد العالم بنحو 8 في المائة، ولعل الولايات المتحدة ستكون من بين أكثر الدول تأثرا، إذ تشير التوقعات إلى فقداتها نحو 11 في المائة مما كان يتوقع لاقتصادها في هذا العام.

ونتيجة لعدم القدرة على إطلاق توقعات دقيقة في الوقت الراهن بشأن التأثير الاقتصادي للجائحة على الناتج المحلي الإجمالي للدول، فقد أخذ بعض الدول يتخلى عن الالتزام بتحقيق مستهدفات كمية، مثل الصين التي تتبع التخطيط مركزيا لاقتصادها، واستبدلت ذلك بالسعي للحد من التدهور وبذل كل المساعي لإعادة الاقتصاد للمسار كأولوية أولى. لكن التوقعات، ولا سيما من دوائر البحوث في البنوك الرئيسة في العالم، بأن الانكماش الاقتصادي سيصل مداه في الربع الثاني من هذا العام، وبأن مرحلة التعافي تبدأ في الربع الثالث، وقد يعود الاقتصاد العالمي لمساره مع إقفالة العام.

لكن كيف يتعافى الاقتصاد؟ إعادة فتح الأنشطة ورفع الحظر واتخاذ الاحترازات الوقائية، هذه كلها شروط ضرورية، لكنها غير كافية ليعود الاقتصاد - سواء اقتصادنا السعودي أو أي اقتصاد آخر - للتعافي إلا بتوافر جهد مواز ودافع. وهكذا، فإرساء خطة تنفيذية لإعادة تموضع الأسواق المكونة للاقتصاد أمر لا فكاك منه، وهي خطة تقوم في منتهاها لزراعة الطمأنينة والأمل لدى المستهلكين. طمأنينة على صحتهم، وأمل يدفعهم للإقبال على الأسواق. وليس القصد أبدا جعل المجتمع استهلاكيا، بل جعله مقبلا على السوق ليس مدبرا عنها زاهدا فيها. ولندرك أننا من الأسواق نشتري كل شيء، سواء للاستهلاك النهائي أو السلع المعمرة أو سلع وسيطة، مثل الطحين والخميرة والملح الذي يصنع منه الخباز الخبز والمعجنات وقوالب الكيك وأنواع الحلوى، ومن ثم بيع تلك البضائع لآخرين. وفي هذا السياق فالاقتصاد بعد فتح الأبواب والأوقات ورفع الاحترازات، أمام خيارين، الأول أن تكون عودة الاستهلاك متعثرة ومتباطئة، بمعنى أن الإنفاق الإضافي لا يغادر الأكل والشرب بأن يذهب الإنفاق الجديد إلى فواتير في المقاهي والمطاعم وما شابه. أما الثاني، بأن نشحذ الطلب الوسيط، الذي يحرك سكون سلاسل الإمداد ويحرك مؤشرات الإنتاج الصناعي والاستيراد ومشتريات الشركات.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى