آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

رسالة لن تقرأَها!!

محمد آل داوود

تُمسك قلمكَ لتكتُب، تتَكِئُ على فُتاتِ فكرةٍ مزجَها الأدب وخضَّبها بمُفرداتِهِ، لسببٍ مَا لا تُدرك كُنهَهُ.. تغدو مَواطنُ فِكرك شَتاتًا، تحاولُ من جديدٍ أن تستجمعَ قُواكَ الأدبيّة، ولكن شيئًا ما جامحًا جدًا، يثقلُ كاهِلك..

لا تدري صدقًا لماذا أصبح قلمك مُهترِئَ الحياكةِ، شحيحَ الإتيانِ.. تمسحُ عن وجنيتك دمعةَ شوقٍ لأيام فرحٍَ كُنتَ تسابِقُ فيها الحرفَ والهَمزات.. لتتعرقَل الآن بفاصلةٍ.. وتنكسِر!

هذا ما يفعَلهُ بِنا البُعد.. هذا ما يفعَلهُ بِنا الموتَ..

ها قد حان وقت خلودي للنوم وبدأ طيفكيجري في خيالي... شريطٌ من الذكريات يجمع صوتك وضجيج ضحكاتك المحفوظ في قلبي قبل عقلي.

استلقيتُ متأملاً أمام النافذة أنظر إلى العابرين لعلّني ألقاك، لكن إلى حدّ الآن لم يأتي أحد؛ إنني أرى وجوهاً فارغة، فارغة جداً؛ لم يكونوا العابرين مثل ضحكتك وروعة صوتك وعاصفة عقلك وهدوء قلبك إلى حدّ الآن لم يأتي أحد ولا أتوقع أن يأتي.

هل تعرف ذلك الشعور بالألم الذي يبدأ من القلب فينتقل للرئة ثم لبقية الجهاز التنفسي والهضمي ثم للأطراف؟

هذا هو ما يحدث حينما أشتاق إليك.. هذا هو ما أشعُر به الآن..

أنام وكأن الأرض كلّ الأرض فوق رئتيّ أنْ تشعر بحِملِ صخرةٍ ثقيلة على أنفاسكَ ليس بمستطاع أحد أن ينزعها عنك ولا أنتَ قادر أنْ تنتشلها عن صدرك... وعلى وسادتكَ قلقٌ فظيع... أن تفكّر بثقلها وأنتَ تريد النّوم حدّ التعب...

كانت ليلة من الليالي التي تود أن يخبرك أحدهم بلطف شديد، أنه يحبّك، يفتقدك، يراك جميلًا، فتنتهي بكل ما فيها في لحظتها ويذهب عقلك في نوم عميق، تتمنى فيها أن ينتبه أحدهم لألمك كأن الكون وقف قليلًا لأجلك، فتصبح على خير.. كان الأمر بكل تلك البساطة وبكل هذا التعقيد

اشتقتُ إليكَ كثيراً.. وهذه المرّة شعور الإشتياق مُختلف.. فأنا لا أستطيع أن أركضَ إليك كعادتي، فالأبواب موصدَة والناسُ مختبئين من وباء أشعُر وكأنه ما أصاب إلا قلبي..

أتعلمُ حينها معدتي تتقلّص وقلبي يتضاعف حجمه، يصبح يبعثر الدم بغزارة في كل مكان، وأشعرُ أن قفصي الصدري لم يعُد بإستطاعته إحتواء قلبي فأخذ يزاحم الرئتين على المكان، مما يضطر أنفاسي لِأن تتسارع، فأضعُ يدي على قلبي علّه يهدأ قليلاً إلا أن النبض إنتقلَ إلى يدي..

وأصبحَت أطرافي الأربع ترتجفُ من شدّة النبض، وكأن في كُل مِنها قلباً يُحبّّك!، الأمر المضحك المبكي يبدأ حين يسألني أحداً عنكَ،

يبدأ بطرحه أسئلة عن إسمكَ وعمركَ، يسألون أحياناً كثيرة عن عدد إخوتكَ، حدث وسأل أحدٌ أيضاً عن مهنتك..

ومن بعدها، من بعدها فقط، يظنّ أنّه عرفكَ جيّداً! لكن أتدري أفضّل أن أخبر عنكَ أكثر من كلّ ما وردَ، أن أحكي لِمن أراد أن يسمع، عن رقّة صوتكَ وجمال قلبكَ، عن إيمانكَ بي وتشجيعكَ لي... لكنتُ حدّثتهم عن الطّريقة التّي أزهرتُ بها معكَ وعن الشّعور الذي لا أشعر به إلّا في رفقتكَ.

لكنتُ حدّثتهم أكثر عن اختلافك المميّز عنهم، ذلك الإختلاف الذي جعلني اتّخذكَ به صديقاً.

فأنا اتخذتكَ صديقاً للأمور الجوهريّة تلكَ التّي لا تُبصر إلّا بالقلب.

لم يكُن يعلَم أنّي أبحثُ بين الرسائل عن كلمتين تعنِيا لي.. أحتفظُ بملامح عيناه وكلماتِه وصوتِه وابتسامته في صندوق أوجاعي.. ما إن أشعُر بالوحدة حتّى أستردَّ عافِيَتي بتفاصيل حُبِّه الَّذي رَحل ولن يعود!

في كلّ مرة كنا نتحدث فيها كنتُ أُخبركَ أنني أخاف أن أفقد الذين أُحبهم.. دائما يأتيني شعور أنني آخر الراحلين وأن الحياة ستنتزع روحي في كلّ مرّةٍ يغيب فيها أحد الذين أُحبهم.. أعرفُ أيضًا أنكَ سترحل رغم وعودك بالبقاء.. فقط أتمنى لو أنك أجلتَ رحيلك قليلًا..

أو كثيرًا.

الكتابة لم تكُن يوماً حالة نسيان ولا حالة هروب ولا حالة شِفاء..

أكتبُ حتى نلتقي ولو على الصفحات أو بين السطور.. أكتبُ حتى لا أموتَ دون أن يعلمَ أحد.

كلّما فكرتُ في التوقف عن الكتابة أخاف حقيقة أن تكون فعلًا هي آخر الرسائل التي قد أكتبها لك.. ماذا لو كانت الرسالة الأخيرة فعلاً؟

إن كنتَ تظُن أني لن أتوقف يومًا عن الكتابةِ لكَ فيُخجلني أن أُخبرك أنّكَ على حق! ولك أن تفخر بذلك.. لم يستطِع أحد من قبلك أن يقتطع من قلبي ومن وقتي كما تفعل أنت.

ولا أظُن أنه سيجيء بعدكَ من يفعَل هذا.. أنا الآن بعد كلّ هذا الكمّ الهائِل من العلاقات، صرتُ أؤمِن أنّ ثوابِت الأشياء تظلّ للأبد ثوابِت. عرفتُ أنّ الإحترام يفوقُ كل درجات الحُبّ، وأنّ التقدير يُعلى على كلِّ كلِّ شيء.

عرفت أنه على المرء أن يشعُر دائمًا في كل لحظاته وهو يخوض في كلّ العلاقات أنه يُحترم، أن خاطِره يُشترى بأثمن الأشياء، أن حُزنه لا يُهان وأن تفاصيله لا تُهمَّش. عِرفت أنه أسمى من الحُب، أن يفهمك من يُحبُّك، ويلمح كل إيماءاتك وكل تغيرات وجهك..

أنه أسمى من الحُبّ أن تُقدّر كل تضحياتك في الحُبّ، أن يشعُر الطرف الآخر أن كل موقف لطيف وكل كلمة جميلة منك تستحق التقدير، أن البذل في العلاقة حُبٌّ منك لا واجب عليك، وأن احترام الآخر لبِذلك، لُطف منه للأبد لن يُنسى.

لأننا نحُبّ من يُحبّنا مرّة، ونُحِبّ ونُحِبّ ونُحِبّ من يحترمنا ويُقدّرنا آلاف المرات. لأنه لو قيل لي ”أنا أُقدِّر كل شيء لطيف منكِ، أنتِ كرمٌ من الله لي“، ألطف وأغلى وأجمل وللأبد يبقى الأثر على أن يُقال لي ”أنا اُحبُّكِ“..

ولأننا للأبد نُحِبّ أن نشعُر أننا نتجوّل داخل علاقةٍ متى ساءت كل الاحوال وانقلبت، يبقى الإحترام بيننا ثابت، لن تعلو سلطة على الإحترام، لن تُنسى كل تضحياتنا، لن نُهمَّش جالسين على رف الذكريات، ولن نُنسى!

الفاتحة للشاب الحاج عبد الهادي هلال عبدرب الخضر العبدالهادي