آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

شهادة جامعية بمقاس والدي

ليلى الزاهر *

الاختلافُ سنةٌ كونية، ومبعث تَوالد الإبداع، يسكن الاختلاف العقول الجبّارة التي ترفض التّماثُل، وتخلق قوة بين ثنايا عقولها ترفض التشابه وتعتبره ضعفًا.

ويدور دولاب الاختلاف في الحياة ليقف عند أفراد الأسرة الواحدة لنرى الاختلاف في التخصصات المختلفة تحت سقف واحد.

ولكن من الغريب أن يُهمّش الأب ابنه إذا اختلف معه في الميول الدراسية. فعندما يرغب الابن في دراسة تخصص جامعيّ مختلف عن تخصص والديه، يرى الوالدان بوادر الفشل في بداية طريقه، ولقد نسيا أن مهمتهما تقتصر فقط على التّوجيه والإرشاد ومنح حريّة الاختيار لابنهما، إذ لاتوجد ضمانات كافية نثق بها طوال فترة الدراسة الجامعية بسبب الأزمات الاقتصادية وتغيير متطلبات سوق العمل، كما أن تكوين ثروة مالية ضخمة لاعلاقة له بتخصص معين فقد يكون الإبداع في طريق قلّما رأى فيه الإنسان الربح القليل؛ لذلك نحن لانملك المعايير الثابتة للحكم على جودة تخصص الأبناء.

بينما يقابل بعض الآباء فشل أبنائه باتهام نفسه بالتقصير، أو وراثة جينات الأعمام أو الأخوال أحيانا، وتصل الأمور إلى جلد الذات بترنيمات يحلو تعليلها إلى استهتار أحد الوالدين وتقصيره وهو صغير فالأبناء ورثوا ذلك منه.

من جهة أخرى يعمد بعض الآباء لشنّ حرب بترسانة قوية من الكلمات الجارحة ليواجه ابنه بشرر يتطاير قائلا: نجاحك دعم لنجاحي، يجب أن تكون مثل أمك، أو مثل أبيك لترفع الرأس وتواصل المجد.

ليس بالضرورة أن يكون أولادنا نسخًا متطابقة عنّا وإنما هم أنهار حبّ تجري بتزامن مختلف عن زمننا ولهم رغبات تختلف عن رغباتنا، ولهم نصيبهم العلمي والمعرفي الخاص بهم واختلافهم عنا قوة ليس عجزا أو ضعفا.

قال الله تعالى: «وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ» سورة هود «118»

الاختلاف أملٌ لحياة أخرى جديدة تنجب برعمًا ينمو بطريقته المختلفة، يستقل عن المُكوّن الأساسي، يقطع أشواطًا من الحياة لتحارب من أجل البقاء المستقل.

‏لاتطلب مني أن أشْبهك فقد صارعتُ التّماثُل لأختلف بجدارة، سأرتوي من نفسي عذبا زلالا، وسوف أعزف مُفَارَقَة يرقص الكون على أوتارها، ولن أعمل بشهادة جامعية مفروضة عليّ، ولن تلبسني مقاسك.

‏إن الاختلاف يسكن أرواحا تأبى الانقياد للأجساد الملقاة على طرق التشابه حتى لو كان دعمُ النجاح نجاحا آخرا. وأبناؤنا المختلفون عنا هم سواعدنا القوية، تمضي الأيام سريعًا ويقفون بنا على قواعدهم الرصينة، يقهرون زمن القسوة بعناق النجاح.

ونحن على وشك بناء المستقبل الجامعي لأولادنا واجبك أن تتحلّى بالصبر لأنه سلطان الزمن، ولتكن كلماتك حاضنة لطموح الأبناء غير منفرّة لهم لأنك عندما تسمع أو تقرأ كلمة فإن جميع المراكز العصبية السمعية والبصرية تتضامن في إخراجها كما يقررها المركز العصبي لذلك فإن الاستعداد اللفظي للحديث يتطلب أن تعيش السلام وتزن كلماتك جيدا قبل أن تندفع في نوبة غضبية مُحرقة أجمل المشاعر.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Abo khadijah
[ تاروت ]: 11 / 6 / 2020م - 12:52 م
جميل جدا سلمت اناملك 👌

لا تجبر ابنك علي تخصص او مهنة معينة بل ادعم طموحاته وقف بجانبه لتحقيق الطموح وشاركه فرحه بمايحقق