آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

قراءة في الانتخابات الأمريكية

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

يحكم الوضع الاقتصادي - في الأغلب - وليس السياسة، من يصل إلى البيت الأبيض. والعنصر الحاسم في هذا الاختيار، هو مستوى ارتفاع الكساد أو التضخم.

يتنافس على سدة الحكم بالولايات المتحدة حزبان رئيسيان هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. ويكون وضع الرئيس مريحاً، حال سيطرة أعضاء حزبه على الكونجرس. أما إن تسلم المعارضون لحزبه أغلبية المقاعد، فإن وضعه يكون صعباً؛ لأنهم في الأغلب سيعملون على تعطيل قراراته.

وضمن النظام الأمريكي، يجمع الرئيس صلاحيات رئيس الدولة والحكومة، في آن معاً. ويحق للرئيس استخدام حق النقض ضد أي قرار يصدر من الكونجرس. ومن حق الكونجرس رفض قرار النقض، حين يحصل على تصويت ثلثي أعضاء المجلس. وفي حال الاختلاف بين الرئيس والمجلس، وعدم التوصل إلى حل بين الهيئة الرئاسية والهيئة البرلمانية، يحال الأمر إلى مجلس الشيوخ، وبدوره يتخذ القرار المطلوب، ويحيل التوصيات للمحكمة الدستورية العليا، التي تملك حق الفصل في المنازعات بين مختلف مؤسسات صنع القرار. ويعنى هذا الحديث بالأسباب التي تدفع بالجمهور الأمريكي لاختيار هذا الرئيس أو ذاك، من أحد الحزبين، الجمهوري أو الديمقراطي.

التنافس الانتخابي بين الحزبين هو بين برنامجين، برنامج جمهوري يسعى لتقليل تدخل الدولة، وبرنامج ديمقراطي، يعمل على تدخلها. ونظرياً فإن الجمهور، هو من يختار أي البرنامجين مفضل للمرحلة القادمة.

يحكم الوضع الاقتصادي - في الأغلب - وليس السياسة، من يصل إلى البيت الأبيض. والعنصر الحاسم في هذا الاختيار، هو مستوى ارتفاع الكساد أو التضخم.

في ظل سيطرة الحزب الجمهوري، تقل نسبة التضخم، بسبب انخفاض نسبة الضرائب. وتضعف الأنشطة الاقتصادية المتوسطة. ويتضرر تجار التجزئة، وأصحاب المشاريع الصغيرة. وتزداد نسب العاطلين عن العمل. وكلما ازادت نسبة الكساد، باتت الحاجة ملحة، لوصول الديمقراطيين للحكم. في هذه الحالة، يطرح سؤال بديهي، لماذا إذاً لا يستمر الديمقراطيون في السلطة ما داموا يقومون بتحسين الوضع الاقتصادي. والجواب يكمن في المضاعفات السلبية، التي تنتج عن ارتفاع نسبة التضخم. فزيادة الضرائب، وتنشيط الفعاليات الاقتصادية للطبقة المتوسطة، وعودة العاطلين للعمل في مؤسسات الدولة، وفي قطاعات تجارة التجزئة والمشاريع المتوسطة، تزيد من نسبة الغلاء بشكل مطرد. ترتفع إيجارات السكن، والعقار، والمواد الاستهلالية، بشكل مطرد، حتى تصل إلى المستوى الذي يجعل الناس غير قادرين على ارتفاع نسبة التضخم. فيجدون أنه لا مخرج من أزمة التضخم، سوى عودة الجمهوريين إلى الحكم.

إذن فوضع الكساد والتضخم، هو الذي يحكم شكل الدورة الاقتصادية، ويقرر من سيتسلم الحكم.

إلى ما قبل انتشار وباء «كورونا»، وحتى نهاية العام الماضي، كانت كل الظروف، تشير إلى احتمالات فوز ترامب بدورة رئاسية ثانية. لقد تصرف في الحكم، كرجل أعمال، وليس كرجل سياسة. فقام بمحاسبة حلفائه بالاتحاد الأوروبي، وشركائه في الصين. وبموجب الضرائب التي فرضها على الخارج كسب مئات المليارات، التي أضيفت للخزينة الأمريكية، بما أسهم في إنعاش الاقتصاد. واستخدم وسائل الضغط على حلفائه، في العالم، ومن ضمنهم بلدان الشرق الأوسط، لشراء المزيد من الأسلحة.

لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، جاء «كورونا»، بجبروته وبطشه، وتسلل للعالم بأسره. وتعاملت معه إدارة ترامب، من غير اكتراث، ما جعل من البلاد بؤرة رئيسية للوباء في العالم. حيث وصل عدد المصابين به في أمريكا أكثر من مليونين من البشر. وقد عّول الرئيس، في تجاهله للوباء، على استمرار الماكينة الاقتصادية في العمل، وعدم تراجع الاقتصاد، خاصة أنه يدرك أن ذلك هو الترمومتر الذي يحدد نجاحه أو فشله في الانتخابات الرئاسية القادمة.

انقلب السحر على الساحر، فقد أدى انتشار المرض، إلى أن تنزل سمعة ترامب للحضيض في أوساط الجمهور، ورغم كل محاولاته في أن تستمر الماكينة الاقتصادية في العمل، فإن وعي الناس، بما فيهم أصحاب الشركات والمؤسسات الكبرى، حال دون ذلك. لقد تعطلت المطاعم والأسواق العامة، ووسائل النقل، عن العمل. وبدأت الشركات في تسريح مئات الألوف عن وظائفهم. وانتكس رصيد ترامب، وسمعته في تحسين الأداء الاقتصادي. وقبل أحداث العنف الأخيرة، التي نتجت عن مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد، ارتفعت نسبة تأييد جو بايدن المرشح الديمقراطي للرئاسة بزيادة خمسة في المئة، عن نسبة ترامب.

بعد أحداث الاحتجاجات الأخيرة، وانتشار مظاهر العنف بالولايات الأمريكية، زادت نسبة منافسه بايدن إلى 10 في المئة، في مقابل ترامب. لقد بات ترامب، متهماً بمناصرته للعنصرية.

استمرار انتشار الوباء، وغياب المعالجة للأسباب الجدية للاحتجاجات، سيؤديان لإضعاف فرص فوز ترامب بالانتخابات. ويرجج، ما لم تحدث مفاجآت، أن يكون الرئيس القادم ديمقراطياً.