آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

خاطرة لغوية: كورونا تغير اسمها

الدكتور أحمد فتح الله *

تداولت الصحف العالمية والمحلية أخبار تحورات وطفرات في فيروس كوفيد - 19، وكذا عودة ارتفاع أعداد الإصابة به والوفاة بسببه.

ولقد لاحظت في الأيام الأخيرة في أخبار المواقع الإخبارية العالمية والعربية والمحلية، أن فلان دخل المستشفى لـ ”صعوبات في التنفس“، وفلانة في العناية المركزة لـ ”صعوبات في التنفس“، وتُوفي فلان بسبب ”صعوبات في التنفس“!

الكل يعرف أن هذه أهم وأخطر أعراض الإصابة ب ”كوفيد - 19“، فما الهدف من هذا التلاعب بالمفردات؟

هل هو تقليل حالات الإصابة والعدوى بكورونا لتسطيح المنحنى؟

أو تصفير الأرقام المتزايدة؟

أو عدم بث الخوف والهلع في المجتمع؟

رغم أنه يهمني كإنسان ما يجري للإنسان خارج وطني، يهمني أكثر وطني وإنسان وطني. فاذا كان المسؤول مواطن، فأنا مواطن مسؤول، تحت شعار، ”كلنا مسؤول“.

فأقول فلنقل ”الحقيقة“، حتى تعرفها الناس، فليس هناك أقوى وسيلة لحماية الإنسان لنفسه من الخوف. الخوف آلية فطرية أودعها الله في البشر لحفظهم من رمي أنفسهم في التهلكة التي نهى عنها، وهو خالقهم وبارئهم، وهو أعلم بما أبدع، وهو أعلم بمن خلق.

وطننا الحبيب كان السباق في التعاطي بحزم وشفافية مع ”جائحة كورونا“، وحين كان الكثير يتردد في التسمية الحقيقية جاء الفصل من خادم الحرمين الشريفين «حفظه الله» بتسمية الأسماء بمسمياتها فذكر ”جائحة كورونا“ في خطابه الكريم لشعبه يوم 24 رجب 1441 هـ ، مما كان له الأثر الإيجابي على المواطنين، كما ذكرت في مقالة ”السلفية اللغوية - الجائحة أنموذجًا“ المنشور في جهينة في 2 - 5 - 2020م.

وكما ذكرت آنفًا، المسؤولون همُّهم الوطن، وأنا مثلهم همِّي الوطن أيضًا، وكما نتفق في الكبرى كمواطنين، نختلف كمسؤولين في الصغرى، وهي كيفية التعاطي مع أي قضية تهم الوطن، ومقاربتي هنا لغوية بحتة، وهي أداة جميع أطراف أي قضية. ومقاربتي، ليست فيها تخطئة لمقاربات أخرى، فهي تبقى رؤية واقتراح وتوضيح.

”التغيير بالكلمات“ هو مصداق لـ ”اللوجوقراطيَّة“، أو ”اللوغوكراسيَّة“ التي تناولتُها في مقال منشور في جهينة «23 - 5 - 2020م». ”اللوجوقراطيَّة“، مصطلح يشير إلى ”سيادة الكلمات“، وأطلق عليها في وقت لاحق الكاتب الإنجليزي المشهور جورج أورويل ”اللغة الجديدة“ «Newspeak»، والتي كانت باعثًا لروايته الذائعة الصيت «1984». وذكرت كذلك أن في جائحة كوفيد-19 أصبح الإعلام العالمي بصفة عامة متحدًا، وتكاد تكون ”اللغة“ واحدة، والخطاب متناسقًا، واختفت الفوارق بين إداراته، واتضح للمراقب اللغوي استخدام ألفاظ أخرى من أجل توجيه الناس، والمعاني الجديدة تحل محل القديمة مع التداول المستمر والشِّياع.

وأعود للعنوان وهدف الخاطرة. في وطني الأعداد المتزايدة في الإصابات والوفيات، بعد عيد الفطر المبارك «1441 هـ » في أغلبها، بسبب الإهمال والاستهتار. وأحد أسبابهما غياب الخوف، فخوفوهم بالحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. المجتمع أثبت أنه لا زال محتاج لتوعية مبنية على البيانات والأرقام الحقيقية الصادمة دون التواري خلف المفردات والتلاعب بالكلمات، والخوف يخلق واقعًا جديدًا، مما يؤدي إلى وعي مجتمعي جمعي وطني، فليس هناك شيء أغلى من ”الوطن“؛ جربت الغربة سنين وعشت تهديد وخوف فقدانه في أزمة احتلال الكويت في 1990م، وأنا في غربتي فترة التحضير لبحث الدكتوراة. وقتها لم يكن التواصل مثل اليوم.

ختامًا، الحقيقة، كالحق رغم أنه مر يبقى هو الصحيح، فبها وبالشفافية سنخرج من هذه الجائحة، في وطنٍ آمنٍ وعزيز.

وأسأل الله ان يحمي البلاد والعباد.

تاروت - القطيف