آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

لا تجمع علينا الخصومةَ والفجور

ما إن اختلفنا بعد أن كان العيش صفوا والماء كنا نستقيه على ظمأ إلا وانقلب كلُّ الود خصومة واستحال الحبُّ بغضا. إلى هنا لا بأس، لكن لم تجمع علينا الفجورَ والقطيعة؟

سؤال يسأله اليوم الكثير من الناس الذين لم يكتف خُصمائهم بقاعدة السنّ بالسن والعين بالعين، بل زادوا فيها ونشروا كلَّ ما كان سرا وأذاعوه بين الناس وأحالوا كلَّ ما كان موجبًا في خصومهم الى قيمةٍ سالبة وكلَّ فضيلة مذمة ومنقصة:

وقالوا قد صفت منا قلوبٌ
فقد صدقوا ولكن عن ودادي
وقالوا قد سعينا كلَّ سعي
لقد صدقوا ولكن في فسادي

فجور الأمس كان ينحصر في المجلس والحارة وإن زاد فلن يعدو أن يكون حديث المدينة ثم بعدها ينسى. أما فجور اليوم فيظهر في الصوت والصورة ويطوف جهات الدنيا الأربع، ويبقى مئات السنين يراه ويسمعه من يحب ويُبنى عليه أدوار من الأفعال.

الآن اصبح الفجور في الخصومة أمرا غير مستنكر فتراه يحصل بعد اختلاف رأي من المفترض الا يفسد للود قضية. فجورٌ بالجملة في كل مناحي الحياة يشارك فيه الرجالُ والنساء صغارًا وكبارا. فكأنما الدنيا استقت وارتوت من ثقافة من قال وزادت عليها:

أَلاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَا

أخال ان الفجور فكرة شيطانية يبدأها صاحبها بمحادثةٍ مع الشيطان كالتالي:

الشيطان: هل سمعت أن فلانًا فعل فيك الافاعيل؟

الانسان: نعم سمعت

الشيطان: فعلا! ولم لا تأخذ بحقك؟

الانسان: كيف آخذ بحقي؟

الشيطان: رد له الصاعَ صاعين حتى يعرف الناس انك الاقوى ويعرف مكانته التي يجب ان يكون فيها.

ثم إذا ما آل الأمر الى الانسان والانسان خرج منها الشيطان سالمًا معافا ليبحث عن زبونٍ آخر ومحادثة جديدة. وكما قال نصر بن سيار حين استشعر بوادرَ الدواهي القادمة:

أرى تحتَ الرماد وميضَ جمرٍ
ويوشك أن يكون له ضرامُ
فإن النارَ بالعودين تُذكى
وإن الحربَ مبدؤها كلامُ

كل هذه المحادثات البشرية السامة مع الشياطين يقابلها أوامر من الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. نصيحة تعني ألا نكترث ونتأثر بأخبار الفاسقين وينبغي علينا الإستقصاء عند نقل الخبر.

حقا، تحتاج الدنيا في هذه الأيام من يقول للشيطان: لا وكفى!

إن الكريمَ إذا تمكن من أذى
جاءته أخلاقُ الكرامِ فأقلعا

مستشار أعلى هندسة بترول