القطيف.. ”أبو مهدي“ طبيب الفقراء في زمن كورونا
- قدم العناية الطبية المجانية لمئات المصابين بكورونا.
- التزم بزيارة المرضى أثناء وخارج الدوام الرسمي.
- فرض على نفسه عزلا منزليا خشية على أسرته من العدوى.
- ويدعو إلى مؤازرة مصابي كورونا المعزولون في منازلهم.
يقضي أحد أطباء الطوارئ في القطيف منذ بدء جائحة ”كوفيد -19“، يومه كاملاً في معاينة مصابي فايروس كورونا، ليس في مقر عمله بمركز الهلال الأحمر فقط، بل في بيوت أهالي بلدته الأوجام أيضا.
الجولات اليومية التي التزم بها أبعدته عن الاختلاط بعائلته المكونة من زوجته وأربعة أطفال، والعيش محجوراً لأشهر، والنوم لساعات قليلة، وإطلاق 3 مبادرات مجتمعية، وجميع ذلك لوحده.
الدكتور محمد الناصر ”43 سنة“، المعروف في بلدته ب ”أبو مهدي“ والمتخرج من جامعة ”دو“ في كراتشي بباكستان يتلقى في اليوم الواحد 30 اتصالا هاتفيا لطلب المساعدة والاستشارات الطبية.
ومنذ بدء الجائحة قدم العناية للمئات من المصابين بفايروس كورونا، بالتنسيق مع جميعة الأوجام الخيرية، من خلال خبرته الطبية على مدى 13 عاماً.
ينطلق الناصر بعد انتهاء ساعات عمله في الهلال الأحمر، إلى مرضاه من أهالي البلدة، بعد أن جدولهم كلٌ حسب شدة حالته، والهدف إنساني مجتمعي وتطوعي بحت لخدمة الأهالي وفك أزمتهم.
ويقول الناصر لـ ”جهينة الإخبارية:“ كنت أقوم بجولاتي على المرضى في بلدتي الأوجام، قبل أن تبدأ الجائحة بفترة طويلة، حيث كان الأهالي من واقع أريحيتهم وثقتهم بي ومعرفتهم، يتواصلون معي من أجل القيام بزيارة طبية في منازلهم.".
وكان الناصر قد انتقل من عمله في الهلال الأحمر بالدمام بعد أن أتم فيه 3 سنوات عمل إلى الهلال الأحمر بالقطيف منذ بدء الجائحة.
ومع تزايد الحالات في ”الأوجام“ أثناء الحجر الصحي على محافظة القطيف لاحظ الدكتور محمد أن بعض الأهالي يواجهون صعوبة في الخروج وقت منع التجوال من أجل الحالات الطبية التي لا تستدعي الاتصال بالهلال الأحمر.
علاوة على ضغط العمل لدى الهلال الأحمر بسبب ازدياد الحالات الطارئة التي تستدعي الإسعاف.
وبلغت الحالات الطارئة لدى الهلال الأحمر منذ بداية الجائحة رقما قياسيا يقارب 15 ألف بلاغ على مستوى المنطقة الشرقية.
ومع ازدياد عدد المصابين بكورونا في محافظة القطيف وصفوى في الأسابيع الأخيرة بعد فك الحجر الصحي عنها، لم يتمكن الجميع من مراجعة المستشفى وخاصة أصحاب الحلات غير الحرجة، الذين يكتفى بتزويدهم بإرشادات صحية عبر الهاتف الخاص لاستقبال الاستفسارات الطبية ”937“.
وبعد أن حسم الناصر قراره، كان بالفعل يمتلك حقيبة إسعافية كاملة من أسطوانة الأكسجين إلى الأدوية وأجهزة القياس الأساسية، وأبلغ عائلته بأنه سيبقى معزولاً في إحدى غرف الشقة، ولن يغادرها إلا إلى الخارج، وسيكون التواصل بينهم مرئياً أو صوتياً.
وقال بصوت العازم على أمره: ”أفهمت زوجتي أن وضعنا سيستمر هكذا طالما أن الحالة الصحية في المنطقة بهذه الوضعية، فإما أن يكون لي يد في التغيير أو أن أترك الوضع يتدهور أكثر، والذي قد يشكل ضغطاً على مستشفى القطيف المركزي.. كما أوضحت لوالدتي أن تعذرني عن زيارتها، بعد أن كنت أزورها واقفاً على باب المنزل..“.
بدأ الناصر بالدخول على المرضى المصابين بكورونا، بكامل الاحترازات الوقائية الطبية، كاملة، الكمام ودرع الوجه ورداء الحماية، ويقول: ”صرت أجدول الزيارات، بحسب الحالات الحرجة، ويساعدني في ذلك ساعات دوامي التي تبلغ 12 ساعة..“.
وعن تطوعه الطويل في المجال الخيري: ”سجلت في خدمة التطوع في الهلال الأحمر، ولم يكن ذلك هدفاً لجمع ساعات تطوعية أو شهادة، وأشارك في أعمال تطوعية منذ فترة طويلة، وهذه الخدمة للمجتمع.. تطوعت لسنوات في عدة لجان بجمعية الأوجام الخيرية منها“ لجنة كافل اليتيم التابعة، عضو متطوع بمركز سنابل الخير ”وعضو متطوع في حملات التبرع بالدم.“
ولم يكتف الناصر بان يقف مكتوفاً في ظل الجائحة، فعندما بدأت الأزمة تحل بأشرعتها على المنطقة وخلال قيامه بالجولات، أطلق نداء من خلال جمعية الأوجام الخيرية، للتواصل معه ومع زميلي الممارس الصحي أ. ناجي محمد السنان والمتطوع في الهلال الأحمر أ. رضا العاشور، لمتابعة الحالات، لتقديم مبادرة تحت مظلة رسمية.
وقام الثلاثة بزيارات خارج دوامهم الرسمي، يقدمون فيها للمرضى باقات من الفواكه بدلاً عن الورد، تحت شعار ”نحن معك“، لما لها من وقع نفسي كبير: ”لاحظنا أن البعض يواجهون ضغطاً نفسياً من أثر الجائحة، وقد بدأنا منذ ما يقرب الأسبوع بتوزيع 10 سلال بشكل يومي.. وابتغينا منها المساندة المعنوية للمرضى.“
وتطورت المبادرة، إلى تخصيص حساب خاص مفتوح في صيدلية الأوجام عن طريق جمعية الأوجام الخيرية، للمصابين بفايروس كورونا، بحيث يعتنون بهم وهم في بيوتهم بإيصال الأدوية التي يحتاجونها، أو الأدوية التي يصرفها ”د. الناصر“ لهم، وهي الأدوية المسكنة اللازمة والتي تبقيهم آمنين في العزل الصحي.. كما أطلقوا ضمن مبادرة ”نحن معك“ خدمة التموين، وتخدم المرضى الذين ظروفهم لا تساعدهم..
أكد الناصر بدوره أن خدمة الصيدلية لاقت إقبالاً واضحاً: ”صرنا نتناوب ثلاثتنا، بتخويل مني لهم، مع الحفاظ على خصوصية أسماء المرضى.. واستطعت من خلال المبادرة متابعة حالة عائلة مصابة بكورونا عبر الهاتف فقط، وأتمت فترة الحجر الصحي دون الحاجة للزيارة..“
وأكمل حديثه: ”يصادف في يوم إجازتي أن أدخل في اليوم الواحد على عشر حالات مصابة بالفايروس، وهذا لا يعني أن هنالك تقصيراً من الجهات الصحية في البلدة، إنما هنالك خوف منتشر من الدخول على مرضى كورونا..“
وواجه الناصر مواقف عدة مؤثرة، منها خوف الواحد من جاره المصاب بكورونا، واحتياجاته: ”أحد العوائل المصابة بكورونا كانت تحتاج فقط لخافض للحرارة.. الكل رافض أن يحضر الدواء لهم.. أو مجرد وضع الحاجيات على باب المنزل..“.
وقال يدعو متأسفاً من الحال: ”علينا الاهتمام ببعضنا البعض، والالتفات إلى دور الجيرة، والتأكيد على التواصل المعنوي، وتخفيف القلق عند المرضى، وتلبية احتياجاتهم..“
وتابع مؤكداً: ”الجهات الصحية في الأوجام والعيادات الخاصة على رأس العمل، ولكن مريض كورونا المحجور صحياً يبتعد عن الخروج من المنزل، وبعض العوائل كل أفرادها مصابين، وتحتاج لمن يلبي احتياجاتها الصحية، خاصة من تنهكه أعراض الإصابة بالفايروس لأيام.. كما أن الهلال الأحمر يقوم بدوره، ولكن البعض قد يعاني من إجهاد عام فيتم تحويلهم على الرقم الصحي“ 937 ”، فلا المجمع الطبي ولا المركز الصحي يستقبلهم..“.
وختم حريصاً على عدة مطالب: ”أطالب بأن يتكفل الأطباء بالاهتمام بالاحترازات الطبية، وتقديم المشورة الطبية تلفونياً، ومن المواطنين بالتواصل المعنوي.. كما أطالب الإعلام بتخفيف تسليط الضوء على قصص من ماتوا جراء إصابة بفايروس كورونا، التي تعد متعبة نفسياً للمرضى..“.