آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:14 م

ليكحلها.. عماها

محمد أحمد التاروتي *

يحاول البعض انتهاج طريقة القفز على المعالجات الصحيحة، مما يدفعه لسلوك اتجاهات ملتوية، وأحيانا خاطئة، بحيث تقود الى الهاوية والدخول في المناطق المحظورة، الامر الذي ينعكس بصورة سلبية على المحيط القريب، وأحيانا تخريب الجهود الجمعية، نظرا للاستفراد في اتخاذ القرار أولا، وعدم القدرة على قراءة الواقع بشكل دقيق ثانيا، مما يؤدي للوصول الى النتائج الكارثية والتدميرية، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.

مبدأ ”اعلقها وتوكل“ يمثل الخيار الاستراتيجي، والطبيعي في كافة القرارات، والممارسات الحياتية، فالفوضوية وتجاهل الأسباب الطبيعية يحدث صدمة كبرى، بحيث لا تترك اثارا محدودة، او تداعيات قصيرة المدى، فهناك بعض القرارات تترك اثارها على الأجيال القادمة، مما يستدعي احتساب الخطوات، وعدم التسرع في تبني القرارات، دون دراستها من كافة الجوانب، خصوصا وان النزعة الفردية في اتخاذ القرارات، تعمي عن رؤية الأمور على حقيقتها ”ما خاب من استخار ولا ندم من استشار“ ”اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله“، وبالتالي فان التعرف على الخفايا قبل اتخاذ القرارات المصيرية، يحول دون ارتكاب الأخطاء الكبرى، والتدميرية في بعض الأحيان.

القدرة على الاختيار المناسب عملية أساسية، لتجاوز الأخطاء الجسيمة، فهناك بعض القضايا يمكن معالجتها وتداركها بقليل من الحلول السريعة، مما يسهم في تفادي الوصول في المناطق ”المحرمة“ وبالتالي حماية البيئة الاجتماعية من التداعيات السلبية، الناجمة عن سوء الاختيار في القرارات المصيرية، بيد ان الأمور تكون غير قابلة للمعالجة في بعض القضايا، مما يستدعي التريث قبل الاقدام على الاختيار الخاطئ، فهذه النوعية من القضايا غير قابلة لانصاف الحلول، خصوصا وان الألوان ”الرمادية“ غير مقبولة، فهي لا تحتمل سوى اللون ”الأسود“ او ”الأبيض“، الامر الذي يتطلب حالة من المراجعة المستمرة والدقيقة، قبل الاقدام على الخطوة الأساسية، نظرا لعدم القدرة على العودة بعد اعتماد القرارات المصيرية.

هناك الكثير من القرارات ينطبق عليها ”جاء ليكحلها.. عماها“، نظرا لوجود عناصر غير قادرة، على التفريق بين القرارات الصائبة والخاطئة، مما ينعكس سلبيا على البيئة الاجتماعية، بحيث تدفع مختلف الفئات الثمن باهضا على كافة الأصعدة، نظرا لصعوبة الخروج من مأزق تلك القرارات الخاطئة، وبالتالي فان محاولة وضع الاصبع على الحلول الصائبة عملية دقيقة، وليست خاضعة للحظ، بمعنى اخر، فان وجود عناصر تمتلك الرؤية الواضحة، والقدرة على القراءة الدقيقة لمختلف القضايا، يسهم في الاختيار الصائب للقرارات المصيرية، ”هلك من ليس له حكيم يرشده، وذل من ليس له سفيه يعضده“، مما يستدعي الحرص على الدراسة الدقيقة، قبل اتخاذ القرارات ذات العلاقة المباشرة بالمجتمع.

القرارات الخاطئة على الصعيد الشخصي، تمثل انتكاسة في المسيرة الحياتية، بيد انها تمثل وسيلة للتعلم من الأخطاء ”في التجارب علم مستأنف“ و”التجارب علم مستفاد“، مما يمهد الطريق امام تجنب تلك الأخطاء في المستقبل ”لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين“، بيد ان المشكلة تكمن في القرارات ذات العلاقة المباشرة بالقضايا الاجتماعية، فهذه الأخطاء تخلق مشاكل كبرى في البيئة الاجتماعية، بحيث يصعب تصحيحها خلال فترة قصيرة، خصوصا وان القضايا الاجتماعية بحاجة الى معالجات مختلفة، وليست خاضعة لطريقة موحدة او وصفة واحدة، الامر الذي يضع أصحاب القرارات امام مسؤوليات كبرى، وتحديات جسيمة، من اجل اتخاذ القرارات الصائبة، وعدم تعريض البيئة الاجتماعية لمخاطر كبرى، عبر استخدام الحكمة والمعالجات العقلانية.

الاستفادة من التجارب الإنسانية احدى الوسائل الناجعة في انتهاج القرارات الصائبة، فالتجارب الخاطئة قادرة على إعطاء العقلاء الكثير من الدروس، وبالتالي فان قراءة دروس التاريخ عملية أساسية لتجنب القرارات الخاطئة، ”السعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره“، فاذا توافرت القدرة على القراءة السليمة للتجارب الإنسانية، فان الوقوع في الأخطاء ذاتها ليس واردا على الاطلاق، وبالتالي فان التاريخ يمثل مدرسة مفتوحة لاصحاب العقول النيرة، في انتهاج الوسائل المناسبة، لتفادي ارتكاب الأخطاء الكبرى.

كاتب صحفي