آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الاستفزاز.. المواجهة

محمد أحمد التاروتي *

هناك فرق كبير بين الاستفزاز والمواجهة، فالاولى تستهدف التقليل من الطرف الاخر، ومحاولة إخراجه عن اتزانه، بهدف تسجيل نقاط، ومحاولة تحقيق بعض الأغراض، والمكاسب الخاصة، حيث يعمد المستفز استخدام مختلف الأسلحة، في سبيل كسر حالة الرزانة لدى الطرف الاخر، الامر الذي يمهد الطريق لقراءة ردود الأفعال، ومحاولة الوصول الى المفاتيح الأساسية، للوصول الى الأهداف، خلال فسحة زمنية قصيرة، فيما الثاني تعتمد على الوقوف في وجه الطرف الاخر، كنوع من الثبات وعدم الانهزام، مما يسهم في اظهار الندية وعدم الخوف، وتجاهل جميع التهديدات، خصوصا وان المواجهة قادرة على إيقاف الطرف الاخر عند حدوده، وعدم السماح له بالتمادي، وتجاوز الخطوط الحمراء.

الاستفزاز تارة يكون بواسطة مواقف فكرية، وأحيانا أخرى عن طريق المناوشات المباشرة، حيث تمثل الظروف الزمانية، وكذلك نوعية المعارك العامل الأساس، في اختيار الطريقة المستخدمة للاستفزاز، لاسيما وان الأغراض الكامنة وراء سياسة الاستفزاز، تختلف باختلاف البيئات الاجتماعية، والأهداف الشخصية، وبالتالي فان محاولة قصر وسائل الاستفزاز في مجموعة ممارسات عملية صعبة للغاية، لاسيما وان التطورات على الأرض تفرض ايقاعات، واختراع طرق متعددة لاستثارة الطرف المقابل، فالطريقة المستخدمة في الزمان السابق ليست صالحة للوقت الراهن، نظرا لاختفاء أطرافها، وتبدل التفاعلات الثقافية، وتغير الظروف الاجتماعية، مما يستدعي انتهاج وسائل اكثر قدرة على الوصول، وتسريع ردود الفعل لدى الأطراف المستهدفة.

القدرة على ضبط النفس، وعدم الاستجابة للطرف المستفز، تمثل السلاح الأكثر قدرة على افشال جميع الخطط المرسومة، خصوصا وان الاستفزاز يسعى لاحداث حالة من الهيجان، وعدم الاستقرار، مما يقود لاتخاذ قرارات ارتجالية، ومعالجات مستعجلة، الامر الذي يصب في مصلحة أصحاب ”الاستفزاز“، وبالتالي فان العمل على تجاهل الحركات الاستفزازية، بمزيد من الصبر وعدم التفاعل معها، عنصر أساسي في وضع نهايات سريعة للاعمال الاستفزازية، خصوصا وان ”صب الزيت على النار“ يسهم في انتشار، فيما ترك النيران تأكل نفسها، بدون توفير العناصر المساعدة، على امتداد لهيبها، يسهم في اخماد وذهاب خطرها على الجميع.

الخلط بين المواجهة والاستفزاز، في الممارسات الحياتية، والمناظرات الفكرية، عملية غير سليمة على الاطلاق، خصوصا وان هناك تباين كبير بين الأهداف المرسومة لكل ممارسة، وبالتالي فان التفريق يساعد في اتخاذ الخيارات المناسبة، خصوصا وان الخلط يدفع لانتهاج اليات غير قادرة، على توجيه البوصلة في الاتجاه المناسب، الامر الذي يستدعي وضع الارجل على الجادة الصائبة، قبل اتخاذ المواقف تجاه كل ممارسة، سواء ”الاستفزاز“ او ”المواجهة“، لاسيما وان التفريق يحول دون خلط الأمور، ويحدد المسارات المناسبة بشكل دقيق، نظرا لوضوح الرؤية لدى الأطراف الفاعلة.

المواجهة امر مطلوب في مختلف القضايا الحياتية، ف ”دس الرأس في التراب“ لا يقضي على المشكلة، خصوصا وان التغاضي يعطي رسائل معكوسة للطرف الاخر، بحيث يعتبر عدم الرد او تحاشي المواجهة نوعا من الضعف، والخوف من الانخراط في المعركة، الامر الذي يشكل محفزا للتمادي، وعدم التوقف عن اختلاق المبررات للتعدي، وممارسة العدوان المباشر او غير المباشر، وبالتالي فان المواجهة تمثل الوسيلة الأقصر لردع المعتدي، وعدم السماح لتجاوز الحدود المرسومة، لاسيما وان البعض لا يعترف بمبدأ ”التسامح“ او ”التغاضي“، فهو لا يحترم سوى الأقوياء، مما يفرض اتخاذ اللغة التي يفهمها، في وضع الأمور في النصاب الصحيح.

المواجهة تكون أحيانا الوسيلة الأكثر قدرة، على اسكات الأصوات النشاز، خصوصا وان محاولة اسكات الأصوات بطريقة ودية غير مجدية، سواء نتيجة عدم ادراك أهمية تجنب المواجهة المباشرة، او بسبب الاستناد على طرف قوي، مما يجعله غير قادر على الانصات الى صوت العقل والحلول السلمية، مما يفرض الدخول في المواجهة المباشرة، لوضع النقاط على الحروف.

يبقى الاستفزاز والمواجهة وسائل مستخدمة لدى بعض الأطراف، لاسيما وان تباعد المصالح وتعدد الغايات، يستدعي انتهاج هذه الطرق، مما يفرض على الأطراف المستهدفة التعامل بحكمة وعقلانية، قبل اعتماد الاليات المناسبة، للرد على ”الاستفزاز“ او ”المواجهة“.

كاتب صحفي