آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

من وحي الثلاثين من يونيو

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

كان حكم «الإخوان» بمثابة تمكين أناس غير ديمقراطيين لممارسة عملية ديمقراطية، وتلك كانت المعضلة الأولى التي أدت إلى انتفاضة الثلاثين من يونيو.

احتفلت مصر هذه الأيام بالذكرى السابعة لانتفاضة الثلاثين من يونيو، التي أطاحت حكم «الإخوان» المسلمين الذي استمر قرابة عام وستة أيام، برئاسة محمد مرسي العياط. وكعادتنا في معظم ما ننشره من مقالات، ننطلق من محاولة فهم الواقع واستخدام مبضع التحليل والتفكيك، وليس إصدار أحكام تجاه القضايا التي نطرحها، فمثل تلك المهمة لا يفترض أن يضطلع بها الباحث، والأمور في النهاية متروكة لحكم التاريخ.

لن يكون بالإمكان الحديث عن انتفاضة يونيو 2013، من غير مقاربة موضوعية لهذا الحدث بما جرى في الخامس والعشرين من يناير عام 2010، حين انطلقت حركة احتجاجية واسعة عمت معظم المدن المصرية، طالبت بإسقاط الرئيس مبارك من الحكم. وقد كتبنا حينها جملة من المقالات التحليلية للحدث، ولن نعود لذلك مرة أخرى.

لكن المقاربة بين الحدثين تقتضي الإشارة إلى العناوين التي تصدرت حركة الاحتجاج عام 2010، والظروف الموضوعية التي أدت إلى بروز الحدث، ومآلاته، وأيضاً الأسباب التي أودت بتلك المرحلة.

أولى الحقائق التي تواجهنا حين قراءة ما جرى في الخامس والعشرين من يونيو 2010، أن شعار إسقاط النظام كان شعاراً فضفاضاً، اختُزل في إطاحة رأس الهرم، ولم يتعرض إلى هيكل النظام وأدواته. فالنصر بالنسبة للمتجمهرين في الساحات والميادين، قد تحقق بمجرد الإعلان عن تنحي مبارك عن موقع الرئاسة.

وذلك أمر طبيعي في ظل غياب القيادة السياسية الفاعلة للحراك الشعبي، والقادرة على توجيه دفته بما يخدم مشروع التغيير. وكان أهم طابع في ذلك الحراك أنه عفوي بامتياز.

والحقيقة الثانية أن ما عرف بموسم الربيع العربي، وفي جمع البلدان العربية، التي مر بها، أريد له من قبل «المجتمع الدولي» وتحديداً إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن يكون «إخوانياً» بامتياز. ذلك هو بالدقة ما حدث في تونس ومصر وليبيا، وإلى حد كبير في اليمن والمغرب، وكان يراد له أن يأخذ مكانه في سوريا أيضاً. وذلك أمر لم تخفه إدارة الرئيس أوباما، حيث كررت الحديث عن أهمية إعطاء فرصة للإسلام المعتدل، وهي إشارة لـ «الإخوان» لكي يتسلموا الحكم في البلدان العربية.

لم يحمل شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، أي بعد اجتماعي؛ بل إن البوصلة السياسية ذاتها كانت مغيبة تماماً. وفي أرض الكنانة، كانت مصادر القوة تكمن في المؤسسة العسكرية، وفي طبقة خمسة في المئة من الشعب المصري التي تهيمن على الاقتصاد. وقد اقتضت تكتيكات القوة الوحيدة المنظمة الممثلة في «الإخوان»، القفز على الحراك وتوجيهه بما لا يتعارض بالتحالف مع بقية العناصر الفاعلة في إدارة السياسة المصرية.

إن هذه النقطة جوهرية جداً بالنسبة لحديثنا هذا، ذلك أن الثورات الكبرى التي أخذت مكانها في التاريخ الحديث، وتمكنت من إنجاز النصر في فرنسا وإنجلترا وروسيا والصين، لم تكن في المحصلة سياسية فحسب؛ بل تمكنت من تغيير البنى الاجتماعية، وإيجاد أنظمة سياسية مغايرة تماماً لما كان مألوفاً في السابق.

فالثورتان الفرنسية والإنجليزية، تمكنتا من القضاء على الإقطاع ونقلتا مجتمعاتها من أنظمة تحكم «بتفويض إلهي» تلعب فيها الكنسية دوراً سياسياً حيوياً، إلى أنظمة وضعية تستند إلى العلاقات التعاقدية.

أما الثورتان الروسية والصينية، فقد أوصلتا الحزب الشيوعي في بلديهما إلى الحكم، وتشكلت أنظمة جديدة مغايرة في السياسة والاقتصاد والاجتماع، قائمة على إدارة الدولة لوسائل الإنتاج.

في الواقع العربي نستخدم مسمى الثورة بأريحية ومن غير ضوابط، فكل إطاحة زعيم سياسي هي ثورة في قاموس معظم الكتاب العرب، في حين أن الثورة هي نقلة نوعية في الفكر والممارسة، وتحول جذري في الواقع الاجتماعي، إلى حال ينبغي أن يشكل خطوة/ خطوات إلى الأمام.

بديهي القول إن حكم «الإخوان» كان بمثابة تمكين أناس غير ديمقراطيين لممارسة عملية ديمقراطية، وتلك كانت المعضلة الأولى التي أدت إلى انتفاضة الثلاثين من يونيو. فقيام الدولة المدنية ينبغي أن يكون بقيادة علمانية، قادرة على الفصل بين الدين والدولة، وذلك لا يقلل من شأن الدين؛ بل يضعه في مكانته الجليلة والمقدسة حين يجري النأي به عن السياسة وتكتيكاتها.

في الحدثين لا يمكن وصف ما حدث بأنه ثورة، وجل ما يمكن أن نصفهما به، هو أنهما انتفاضتين ما كان النجاح سيكتب لهما لولا تدخل الجيش المصري، وانحيازه لخيارات الحركة الاحتجاجية، وفي كلتا الحالتين فإن الحكم على نتائجهما يظل متروكاً للتاريخ.