آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:39 م

ثقافة الأنانية.. صناعة الكارثة

عبدالله آل قنبر

رغم تطور المجتمع البشري إلى مكان لم يكن في الحسبان إلا أن أسباب الجريمة لازالت هي نفسها منذ فجر التاريخ، خذ على سبيل المثال جريمة القتل أو الاغتصاب على الرغم من التعقيدات اللتي لا يسع المجال إلى ذكرها فإن الخبراء قد حددو بعض الأسباب الأساسية لإرتكاب أي جريمة وعلى رأسها الأنانية.

في مجتمعنا اليوم، يبدو لي أن الأنانية الممزوجة بالجشع اللتي تتمحور حول عدم الاكتراث بالآخرين هي السبب الرئيسي لإرتكاب أبشع الجرائم التي لا تخطر على البال.

اليوم نعيش في ثقافة تقوم على تصور عقلي ان الأغنياء هم الأكثر نجاحًا وبذلك تتكون قناعة عند أفراد هذا المجتمع إنهم حكماء القوم إلى درجة أنهم أكثر قابلية للتصديق في المحاكم من الفقراء وذلك أمر محزن للغاية. يبدو أن النجاح في ثقافتنا اليوم منوط بالشهادات العلمية والثروة والممتلكات ولو كان على حساب الآخرين. وبسبب هذا الموقف العقلي، يحاول الكثير من الناس جاهدين جمع الثروة ليتم التعرف عليهم ولو تطلب الأمر سرقة الأقربين.

يقول علماء النفس أن الأنانية تنبع من خوف أساسي من الحياة فإنه مدفوع بشعور أساسي بالحرمان، والحاجة إلى شيء ناقص أو غير متوفر. عندما يكون هذا الشعور بالنقص قويًا بشكل خاص، يمكن للشخص أن يصبح شديد التركيز في البحث عن ما يحتاجه، ويحاول دائمًا التمسك بالشيء الذي سيقضي أخيرًا على الشعور المتجذر بعدم وجود ما يكفي للجميع أو إنه أحق من الآخر فيما يحتاجه ”الجشع“ عندها تتولد الأنانية بأبشع صورها.

أصبحت الأنانية تهديدا للجميع إذ نستطيع أن نرى ذلك بوضوح في ما يحصل الآن في حدث كبير في حياة البشرية من انتشار فايرس كورونا المستجد قد لا يرى البعض أي علاقة فيما ذكرت سابقا مع انتشار الفايرس لكني أعتقد أن العلاقة وثيقة جدا وذلك بسبب المنهجية العقلية المتولدة من الأنانية من بعض مكونات المجتمع في التعامل مع الجائحة وذلك تحت طائلة الأنانية وليس المصلحة الذاتيه إذ أن هناك فرقا كبيرا بين الأنانية والمصلحة الذاتية.

يقول عالم النفس والفيلسوف السويسري جان بياجيه صاحب نظريات التطور المعرفي عند الأطفال ورائد المدرسة البنائية في علم النفس إن من مصلحة الإنسان الذاتية الاهتمام بمصلحة كل من حوله حتى من هم ضده، لأن الانسان في نهاية الأمر لا يستطيع أن يعيش بمفرده مهما حاول فهو مكون من ماض متأثر بمن هم في ذلك الماضي والحاضر ومن هم فيه والمستقبل ومن هم فيه، يجب على كل فرد إدراك أن كل فرد في هذا المجتمع هو خليط معقد من تجارب من عاش معهم في الماضي والحاضر والمستقبل، نحن نعيش في كوكب أصبحنا فيه أكثر تقاربا من ذي قبل فالتواصل البشري أصبح حتميا لدرجة أن فيروسا ظهر في الصين اثر على حياة البشرية في كل مكان لذلك ليس من مصلحة أي شخص أن يصاب حتى من يصفه بالعدو او المنافس بهذا الفيروس الشرس، يقول بياجيه أن من مصلحتك الذاتية ان تهتم بمصلحة الجميع حتى أعدائك بينما الأنانية تقوم على أن الفرد هو قطب الرحى وان الكون يدور حوله ولا غيره يستحق المصلحة ولا يعي ان مصلحته الذاتيه تقتضي ان يعمل لمصلحة الجميع وهذا هو عين الغباء.

نرى ذلك يتجلى بشكل واضح فيما يحصل الآن من فئة من المجتمع لا تعي ان من مصلحتهم ان لا يكونو انانيين فيما يتعلق بفيروس كورونا وان الاحتراز منه بلبس الكمام والتباعد واخذ الاحتياطات اللازمه من عدم الخروج إلا لضرورة فان ذلك يصب في مصلحتهم اولا ومصلحة الجميع ثانيا لا العكس حتى وان ما يعتقدونه من ان قدراتهم المناعية حديدية وعلى فرض صحة مقولتهم انهم ذو مناعة حديدية وانهم حتى وان أصيبو سوف يتعافون منه وليس مهما انهم قد ينقلون العدوى إلى الآخرين ويتسببون في هلاكهم لا سمح الله فهو في نهاية الامر لا يصب في مصلحتهم الذاتيه من الاساس، فقدناك لطبيب نقلت له العدوى لعدم اخذك الاحتياطات اللازمه قد يتسبب في موتك غدا لأنه الوحيد القادر على علاجك مستقبلا ”سيناريو بسيط يدعو إلى التأمل“.

إن ما يخوضه العالم الآن من انتشار فيروس كورونا انما هو تجربة اجتماعية حقيقية قد كشفت ما تعانيه مجتمعاتنا من خلل في جميع المجالات خاصة على المستوى الاجتماعي وما يقوم به بعض أفراد هذا المجتمع من عدم تحمل المسؤولية الاجتماعية والنظر لموضوع العدوى بشكل أناني مما قد يقودنا نحو كارثة انسانية لا يمكن تصورها.