آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 6:58 ص

حياة الشقاء

ورد عن الإمام الصادق :... فإن الحاسد ساخط لنعمي، صادٌ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» «الكافي ج 2 ص 307».

لا يتحمل أن يسمع خبرا سارا عن أحد من حوله أو استمتاعه بتحقيق شيء من طموحاته، فهذا كالعظم الخانق في مجراه التنفسي وكالخنجر النافذ في قلبه، إنه الحسود التعيس في حياته قد انشغل بأخبار وأحوال الناس، ويتابع - بكل اهتمام - تفاصيل ودقائق حياة الآخرين وما استجد عليهم من نعم وإنجازات، يصاب الحسود بصداع مزمن في رأسه وغثيان واضطراب عندما يتناهى لمسامعه أي تحول ومستجد حسن لغيره، فقد ربط وجوده ومشاعره في تناميها والرخاء في حياتها بتتالي الأحوال السيئة والمصائب والكوارث التي تتساقط على رؤوس الناس، فقلبه الأسود لا يتحمل أن يرى الناس في حالة حب ووئام وعلاقات اجتماعية مستقرة ملؤها الاحترام والثقة.

يحيا الحسود في دوامة أحقاده على الآخرين وكرهه لرؤيتهم بتجدد الحال الحسن عليهم، ويرى نفسه سيء الحظ لا يلقى الشيء الحسن كما ينزل من السماء كرش المطر على الغير، بل والمضحك أنه يبحث عن تلك الأسرار التي تجعل من غيره في رفاهية من العيش بينما يعاني من ضنكه وضيقه، متناسيا ما وهبه الباري من نعم لا تحصى، فمثله لا يحظى أبدا بحياة مستقرة وراحة بال أبدا، وذلك أن قوام السعادة البشرية الرضا والقناعة مهما واجه المرء من صنوف البلاء والصعاب، فالحقيقة المغيبة عن عقله أن الدنيا خلقها الله تعالى وفق سنة الابتلاء ومواجهة الأزمات بأشكال متعددة بدون استثناء لأحد.

وسبب معاناة الحسود النفسية هو اتجاهه نحو خلق معادلة راحته النفسية بالتعلق بأحوال الناس واتجاهها نحو الألم والمعاناة وحلول الكوارث عليهم، فيشغل فكره بتتبع أحوالهم فكلما سمع بنجاح أحدهم أو تميزه أو تلقيه لنعمة ساءت حاله، بل ويحاول بكل وسيلة أن يبعد الخير عن الآخرين ولا تهدأ نفسه إلا بحلول المتاعب والمصاعب على الغير.

هذا الحسود يعيش وهم النقص في الحظوظ والتعاسة في مقابل الحياة الرغيدة للآخرين، فيعتقد أن الغير له المستويات العليا من الرزق المادي وتوفر سبل الحياة الكريمة بينما هو يعاني من ضنك العيش، كما أن حظوظهم وافرة على المستوى الدراسي والوظيفي والأسري والاجتماعي وغيرها، فعينه عمياء عما رزقه الباري من نعم وأسباب الاقتدار في الحياة، بينما يستكثر ما يجده بين يدي الناس من أرزاق وخيرات، فهو ممن ابتلاه سبحانه بعمى البصيرة واستوطن الطمع قلبه فلا يتحمل أن يرى ابتسامة أحدهم فضلا عن الأرزاق الدارة، فلا يعرف يوما الرضا بقضاء الله تعالى وتقديره ولذا فإن الهم لا يبرح عنه أبدا،

مثل هذه النفس الشقية المبتلاة بمرض الحسد ستخلق عالما كارثيا على صاحبها فلا يهنأ له عيش، بل يحيا القلق والاضطراب النفسي فلا يقنع يوما بمستواه المعيشي، فتلك المقارنات التي يعقدها بين حاله وحال غيره تورثه الألم والحسرة والضيق النفسي، إذ يتمحور حينها حول نفسه فيراها المستحق الأوحد لأي عطاء ونجاح بينما الغير لا يستحق شيئا، كما أن نفسه تسول له توجيه الأذى والضرر للآخرين بغية سلبهم ما يمتلكونه من نعم ربانية، وهذه الطريقة السلبية من التفكير تغرس فيه مشاعر الكراهية والحقد تجاه الآخرين، والنقمة على الواقع المعاش من تقسيم الأرزاق بين الناس، فيخيم عليه التذمر الدائم والتشاؤم من أي مستقبل منظور.

وهذه الذهنية الناقمة للحسود تؤثر على واقع علاقاته الاجتماعية المتسمة بالاضطراب والضعف، ويرفع عن نفسه الاستظلال بمظلة التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع في سبيل تجاوز المشاكل المعاشة والتخطيط للمستقبل ورسم الخطط المناسبة، فهو بعيد عن التفاعل مع الواقع الاجتماعي وحمل هموم الناس ومعاناتهم، وذلك أن الحسود يسير في خط الطمع والرغبة في حلول المشاكل والأزمات والمصائب التي تهد البيوت على رؤوس ساكنيها، كيف وهو ممن يفرح وتطيب نفسه إن رأى مصيبة وقعت على أحد أو إخفاقا وتعثرا في مسيرة آخر؟!

من العلامات البارزة جدا لصفة الحسد في أحدهم هي ردة فعله تجاه إنجازات الغير وأفكارهم النيرة وخطاهم التطويرية، حيث يظهر في سقطات كلماته ما يشير إلى امتعاضه وكراهيته لأي نجاح فردي أو مجتمعي.