آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 6:21 م

النفاق الاجتماعي

محمد أحمد التاروتي *

النفاق الاجتماعي مرض خطير، فتداعيات لا تقتصر على شريحة معينة، انما يسبب في نخر الثقافة الاجتماعية، من خلال استبدال الموقف المسؤول بالاخر ”الخانع“، مما يسهم في انتشار قناعات غير قادرة، على وضع الحروف على النقاط، لاسيما وان الخروج من حالة الالتباس والتردد، يتطلب نشر ثقافة رافضة لمبدأ ”النفاق“، باعتباره حالة مرضية غير قادرة على تحريك الضمائر الحية، وبالتالي فان النفاق الاجتماعي يحدث وضعا مأساويا على الواقع المعاش.

رفض النفاق الاجتماعي ليس مدعاة لممارسة ”المناكفة“، او الخروج عن اللياقة الاجتماعية، خصوصا وان العملية بحاجة الى مراعاة الحساسية، والعمل على ضبط السلوكيات الخارجية، فالموقف الرافض لثقافة ”النفاق“ يتطلب ”فطنة“، وكياسة في التعبير عن الرأي، بعيدا عن الضجيج والصراخ غير المفيد، فهناك الكثير من المواقف تجد أصداء واسعة، بحيث تخلف تموجات كبيرة في الوسط الاجتماعي، نتيجة اتخاذ الاليات والأساليب المناسبة، مما ينعكس على القدرة على التأثير، والابتعاد عن حالة الفوضى والاشتباك المباشر، الامر الذي يتمثل في الكثير من القضايا الحساسة والكبرى.

ممارسة الضجيج واثارة المشاكل للتعبير عن الموقف الرافض، يلقى ردود أفعال غير محبذة في الغالب، بحيث يقلب الأمور ”رأسا على عقب“، مما يضع أصحاب المواقف الثابتة، في موقع لا يحسدون عليه، نظرا لانتهاج وسائل غير ”لائقة“، الامر الذي يفضي لخروج أصحاب المواقف ”الحقة“ من الساحة، بطريقة غير متوقعة ومخالفة للأغراض المرسومة، من وراء اظهار الموقف تجاه النفاق الاجتماعي، وبالتالي فان وضع الأسس العقلانية في منهجية ممارسة الرفض، والتعبير عن المواقف، تشكل عناصر أساسية في خلق استقطاب اجتماعي، باتجاه ظاهرة ”النفاق الاجتماعي“، بحيث يفضي للتحرك الصادق لمعالجة هذا المرض الخطير، على الثقافة الاجتماعية الواعية.

المجاملة احدى الاخلاقيات الإنسانية، حيث تفرض العلاقات البشرية انتهاج هذا السلوك، في مواقف وحالات كثيرة، باعتبارها عنصر استقطاب وسلوك قادر على تأليف القلوب، مما يمهد الطريق امام طرد الشقاق، والخلاف بين افراد المجتمع، ”المجاملة ثلث العقل“، وبالتالي فان محاولة الخلط بين المجاملة و”النفاق الاجتماعي“، عملية غير أخلاقية على الاطلاق، فهناك اختلافات كبيرة بين التعاطي بنوع من المجاملة، مع الطرف الاخر، وممارسة ”النفاق الاجتماعي“، على الصعيد الخارجي، فالاول ينطلق من مبادئ أخلاقية ذات اثر إيجابي، على الممارسات السلوكية، فيما الثاني يعتمد على استمراء الكذب، ومحاولة استرضاء البعض، انطلاقا من مصالح شخصية، او نتيجة الخوف من تداعيات اظهار الموقف الصحيح، مما يفرض اتخاذ المراوغة او اعتماد ”النفاق“، لتحقيق المصالح الخاصة.

انتشار ثقافة النفاق الاجتماعي، يضع علامات استفهام كبيرة في طبيعة السلوك السائد، بحيث تعكس الكثير من القناعات القائمة، على مبادئ تقديم المصالح الانية، على المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، الامر الذي يحدث حالة من الاضطراب الداخلي، والضياع الخارجي، جراء وجود ثقافة غير قادرة على تصحيح المسار الأخلاقي، الامر الذي يشكل خطورة كبرى على المسيرة الاجتماعية على مختلف المستويات، فالنفاق الاجتماعي يترك اثرا واضحا على طبيعة العلاقات الخارجية، بحيث تظهر على اشكال متعددة بعضها ذات طبيعة خاصة، والبعض الاخر مرتبط بالعلاقات الفئوية، وبالتالي فان محاولة خلق حالة من الرفض للنفاق الاجتماعي، يساعد في تحريك الضمائر الحية، لدى الفئات الاجتماعية على اختلافها.

الرفض الكامل للنفاق الاجتماعي، ينطلق من الايمان الراسخ، بضرورة وضع الأمور في النصاب الصحيح، من خلال اصلاح القناعات السائدة، وترك الثقافة القائمة على ترجيح المصالح الشخصية، على المصالح العامة، خصوصا وان سيطرة النفاق الاجتماعي على السلوك العام، تظهر اثاره بشكل كبير في العديد من الملفات الشائكة، والكبرى، بحيث تكون الكلمة الفصل ”للمصلحة“، عوضا من العمل على تقديم المنفعة المشتركة، على المكاسب الخاصة.

كاتب صحفي