آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

اقتصاد ما بعد كورونا «14»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

بعد أن أضنانا السعي إلى التخفيف من تداعيات كورونا، وحذونا بحرص حذو الدول المهتمة بالانتقال إلى حقبة ما بعد كورونا، حري أن يكون لنا أجندة موازية بمسار متقدم ومتطلع، انطلاقا من أن الأجندة الاقتصادية لما قبل حقبة كورونا، هي التي - للحد البعيد ودفاعا عن مكتسباتها - أفرزت مبادرات تخفيفية لكبح جماح وانتشار الفيروس. ولا تعارض في بذل كل جهد حتى تعود أجندة ما قبل كورونا إلى مسارها، لتواصل الإنجاز في النمو والتنويع، وفي الوقت ذاته ينبغي أن نطلق مسارا جديدا رائدا، كنسمة منعشة خرجت من جوف بركان حارق. فيما سبق تناول هذا الحيز زاوية محددة من لفحات تلك ”النسمة“، وهي الاهتمام اهتماما تحوليا يليق بمكانة التجارة الإلكترونية، يصاغ له برنامجا تتشارك فيه جهات مشرفة ”المنظمة“ على الأنشطة الاقتصادية، ويطلق البرنامج كإحدى المبادرات التمكينية لإنشاء بنية تحتية وتشريعية وتنظيمية ومعززات ومحفزات وخطة زمنية بمعلمات ومستهدفات، لإطلاق وصيانة منصة وطنية للتجارة الإلكترونية، ومعها حزمة من المبادرات الحتمية والتحولية لتنشيط التجارة الإلكترونية ضمن حياض الاقتصاد الوطني، وبما يعزز التجارة الداخلية والدولية، ويسهم في جعل السعودية منصة إقليمية وعالمية للتجارة الإلكترونية. لعل هذا الجانب ”التحول للتجارة الإلكترونية“ هو الأكثر وضوحا في تداعيات كورونا الاقتصادية. وهو كما ذكرت مجرد مثال وليس الأمر كله. أما الأمر كله فهو ”النسمة المنعشة“.

”النسمة المنعشة“ مسار لاقتصاد ما بعد كورونا، فكما كان العالم يضاهي بين الاقتصاد التقليدي والاقتصاد الرقمي، فالحديث الآن عن اقتصاد ما قبل كورونا وما بعد كورونا. وما حدث، هزة صادمة للاقتصاد العالمي جملة، وللاقتصادات الوطنية تفصيلا، أدت هذه الهزة إلى خلخلة وإزاحة، نتج عنها سقوط أنشطة في حفر لن تخرج منها، فيما أنشطة أخرى ستكابد طويلا حتى تخرج، في حين أن مجموعة ثالثة من الأنشطة ستنطلق لتسابق الريح. ولعل أوضحها وهي بمنزلة ”المكسب السريع“ الكبير، هو التحول إلى التجارة الإلكترونية، وهذا التحول لن يحدث عفو الخاطر، ويستحق أن يوضع له أعتى فريق لإنجازه قبل أن يسدل هذا العام أستاره، فقد تكلفنا في بناء بنية تحتية رقمية ومعلوماتية وعلينا أن نضع فوقها بنية فوقية إنتاجية تولد قيمة للناتج المحلي الإجمالي. والمكسب السريع الكبير الثاني، هو الالتفات إلى الأسواق التي يعيش عديد منها في فلك مختلف، وحديثي عن الأسواق هنا لا صلة له بسوق الأسهم التي يتحدث عنها المتحدثون ليل نهار، بل عن الأسواق التي تعيش في الظل، ولنأخذ مثلا، سوق اللحوم، أو سوق الذهب والمجوهرات، أو سوق الخضار والفواكه... يتبع

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى