آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

بين الماضي والحاضر لبون شاسع..

جمال حسن المطوع

قبل برهة من الزمن كنت أتسامر الحديث الودي مع بعض الأخوة الأعزاء في رحلة سياحية قصيرة إلى مدينة الجبيل الصناعية، حيث أخذنا الحديث إلى جنبة من ذكريات الزمن الجميل وما كان يدور فيه من حكايات جميلة وأحداث جليلة ومواقف لا تزال تقبع في خواطرنا وتثير حماسنا إلى الشوق والحنين إلى رجالات تلك الحقبة من الأجداد والأباء الأفاضل، وكيف كانوا نِعم القدوة والأسوة والذين ضربوا أمثلة رائعة من الوفاء وسْمٌو النفس والإثرة التي تطبعت بها أخلاقهم وجبلوا عليها وتسابقوا فيها بروح الرجل الواحد بالرغم من شظف العيش وقلة الأمكانيات وضيق اليد لكن كانوا كاللَبِنَة الواحدة في ترابطهم وتعاطفهم وتراحمهم متوادين متحابين متقاربين كلٌ سندٌ للآخر في وقت الشدائد والمحن.

وقد صدق عليهم مانقل عن رسول الله ﷺ عندما قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد.

صدق الرسول الكريم ﷺ.

نعم إنها الإنسانية التي تمثلت بِكل معانيها الأخلاقية والإجتماعية والأسرية وفوق هذا وذاك أبدعوا وتفننوا في الإعتماد على أنفسهم لتسيير أمورهم الحياتية والمعاشية بدون ملل أو كلل، بل خاضوا غمرات من التحديات في كسب أرزاقهم وإحتياجاتهم اليومية بصبر وثبات.

وبهذا تعددت المِهن والحِرَف التي أجادوها بإتقان ودراية وتفننوا فيها، فكان منهم المزارع والبحار والبَنَاء والنجار والخباز والتاجر والحلاق وإلى غير ذلك من المهن المتعددة والشريفة في كسب قوتهم اليومي، بادلين إخلاصهم وتفانيهم في خدمة كل منهم للآخر، وهي التكاملية التي نفقدها في هذا الزمن حيث طغت فيه العمالة الأجنبية التي سيطرت في أيامنا هذه على عجلة الحياة الإقتصادية بكل أنواعها وإختلاط الحابل بالنابل حتى أصبح بعض أبناء الوطن يواجهون الصعاب في إيجاد المهن والوظائف لتزاحم العمالة الأجنبية عليها ولو قارنا في هذه الحياة بين الماضي والحاضر ربما لأختار أغلبنا تجربة الماضي إن لم أكن مخطئا على الرغم من تقنيات عصرنا الحالي المليئة بالبرمجيات الحاسوبية المعقدة والتشابكات المصاحبة لها.

ولكن الماضي وما يحمله من أعباء قاسية على كواهل من سبقنا إلا أنه كان بسيطاً ومرناً في مكينته العملية والحرفية ولهذا تعلم ذلك الجيل السابق الإعتماد على الذات، وخلق الإبداعات والتفنن في الحرف اليدوية مما أوجد تراثاً ومنهجية وأصالة في أرقى معانيها بينما زمننا الحاضر يعج بالكثير من المدنية الصاخبة والمادية المقيتة حيث العلاقات الإنسانية تعتمد في واقعنا المعاش على النفعية والمصالح المالية المتبادلة البعيدة كل البعد عن تلك البساطة والقناعة التي يتمتع بها ذلك الرعيل الأول من رصانة الكلمة والوفاء بالوعد والعهد في تعاملهم في شئون حياتهم العملية والدنيوية.

حيث يقدم مصالح الآخرين على مصالحه حتى ولو أدى ذلك إلى تحمل الخسائر من أجل أن يعيش المجتمع روح التضحية والجهد والمثابرة.

وهذا ما يطمح إليه كل عاقل وحكيم في هذا الوقت في برمجة حياته وفق الرؤئ الإنسانية التي يتسامى ويتفاضل بها أبناء البشر ليولد تمايزاً وتنافسا حيويا وشريفاً فيما بينهم بحيث لاضرر وضرار.