آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:52 ص

بين الحج وبيعة الغدير

عبد الله حسين اليوسف

دخل أحد الصحابة المسجد النبوي للصلاة وبعد الصلاة سمع همهمة وصوت هادر من محراب النبي ﷺ وهو يعلن للمسلمين أنه عازم على الحج هذه السنة ولم يستطع الصحابي الجلوس أو الوقوف على قدميه حيث انتظر بفارغ الصبر انتهاء مراسم الحديث ليذهب إلى زوجته مسرعا وهنا قابلته الزوجة عند الباب وإذا وجهه يتهلل بالفرحة وهو يقول البشرى البشرى إن الرسول الأكرم ﷺ عازم على الحج وما أن سمعت زوجته حتى قالت له: من الآن سوف اجهز عدة السفر. قال لها: كيف تذهبين معي فربما الحج للرجال فقط؟!

وقالت له: إنها فرصة أن أحج بحج الرسول وأتعلم منه وأنا قد اشتقت إلى مكة المكرمة والحرم المطهر وإلى بيتنا ومسقط رأسي.

فقال لها: إذا جهزي كل ما تستطيعين حمله وسوف انتظر أمر الرسول ﷺ بالمغادرة وسأهيئ الراحلة

وهنا بدأت المدينة المنورة بالاستعداد لمراسم الحج وقد شاع الخبر إلى المناطق الأخرى البعيدة ولمن استطاع القدوم إلى الحج برغم الجهد وقلة المال أو الزاد والراحلة.

غادر الرسول ﷺ المدينة المنورة متجها إلى مكة ومعه جمع غفير من المسلمين والكل يصغي إلى ما يفعله الرسول من قول وفعل وسار الركب إلى مكة المكرمة والكل فرح حيث اللقاء بالأهل والأصدقاء وبأداء هذا النسك العظيم من أعمال الحج حيث الطواف حول البيت وصلاة الطواف والسعي بين الصفا والمروة ثم الاتجاه إلى عرفات ثم مزدلفة ثم إلى منى للمبيت ثلاثة أيام التشريق.

وعندما دخل الرسول ﷺ الحرم فتحت الكعبة ذراعيها مرحبة به وكأني بالحجر الأسود ناطقا أهلا بابن من فدي بذبح عظيم وقد أخذ النبي ﷺ كل القلوب والمشاعر بمواعظه وإرشاده وخطبه المتعددة والكل يصغي وينقل إلى الطرف الآخر ما قاله النبي ﷺ لأن هذه الحجة تعتبر حجة الوداع وكانت فرصه لن تتكرر مرة أخرى فالرسول ﷺ توفى بعد هذه الحجة بفترة وجيزة.

وعندما أنهى رسول الله ﷺ هذا الحج عائدا بهم إلى المدينة المنورة فرحين بالحجة أخذ الركب يشد بالمسير وعندما مر الرسول بغدير خم توقف هناك وأمر المسلمين بحط رحالهم لأنه سيصدر بيانا هاما للمسلمين جميعا وطلب من المتقدمين على الركب بالرجوع وعلى المتأخرين اللحاق بهم وعندما اجتمع الجمع وكان الجو حارا حيث لا يستطيع أحد الجلوس على الأرض والكل يحاول جمع ملابسه تحت رجليه أو إيجاد غطاء له مما يمتلك من ملابس وهنا طلب النبي صنع منبر له وتم صنع المنبر من أحداج الإبل.

صعد النبي ﷺ عليه وقال في خطبته كما روي عنه....

مَعاشِرَ النّاسِ، إنَّهُ آخِرُ مَقام أَقُومُهُ في هذَا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا وَانْقادُوا لأمر اللهِ رَبِّكُمْ، فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاكُمْ وَإلهُكُمْ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولُهُ وَنَبِيُّهُ الْمُخاطِبُ لَكُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَإمامُكُمْ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّكُمْ، ثُمَّ الاْمامَةُ في ذُرِّيَّتي مِنْ وُلْدِهِ إلى يَوْم تَلْقَوْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ.

فَأَوْحى إلَيَّ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

في عَلِيٍّ، يَعْني فِي الْخِلافَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طالِب  وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ

ونادى ابن عمه علي ابن أبي طالب وأخذ ببضعه وقال ﷺ:

ألا فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ

وبعد ذلك أمر المسلمين بمبايعته وعسكر النبي ثلاثة أيام بغدير خم وأفرد خيمة لذلك ليعلن لهم هذه المبايعة وهذا الأمر الخطير الذي اشرأبت له الأعناق وتناقلته الركبان وسجله الرواة وكان هذا التوقيت والحديث والمبايعة ختام الرسالة وبداية عهد جديد فبعد النبوة تأتي الإمامة ومحبة أهل البيت وتتويج لآية العصمة والمباهلة وآية هل أتى وآية القربى وآية التصدق بالخاتم وتتجدد هذه المبايعة وهذا العيد الأكبر كل سنة بالمؤاخاة مع المؤمنين وإسقاط الحقوق وتشيع مظاهر الاحتفال بهذا اليوم بأعمال عبادية مثل الصيام والصدقة والتوسيع على العائلة.

أخيرا نسأل الله العلي القدير الثبات على ولاية محمد وآل محمد وأن نوفق لزيارة الموقع التاريخي الذي حدثت فيه هذه الواقعة والذي للأسف بالرغم من مرور هذه الفترة من تلك الحادثة إلى هذا اليوم مازال هذا المكان لغزا يصعب الحصول على معلومات وإحداثيات لهذا الموقع حتى لو اعتبرنا هذا الموقع محور تجاذب بين من يؤمن بما جرى به أو أنه مجرد واقعة تاريخية لا يرتب عليها أثرا إلا أن الغدير وحديث الغدير كل سنة يبقى قوه جذب وتعود به الذكرى بعد الحج لأنهما توأمان لا ينفصلان

فسلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث ولايته في عنقنا وطوق نجاه لنا في آخرتنا.

وكما روي عن الشاعر حسان بن ثابت أنه قال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالرسول مناديا

فقال: فمن مولاكم ونبيكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

: إلهك مولانا وأنت نبينا

ولم تلق منا في الولاية عاصيا.