آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

لعبة الالفاظ

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض المفردات وسيلة لممارسة ”الفوقية“ و”المعرفة“، حيث يعتبر التلاعب بالالفاظ وسيلة لاحداث الانبهار في الأطراف الأخرى، بيد ان المشكلة تكمن في الاستخدام غير المناسب للالفاظ، وعدم الاختيار المناسب للاستفادة من المفردات، الامر الذي يكشف الضحالة المعرفية، وعدم القدرة على التوظيف المناسب، مما يحدث ردود أفعال عكسية ونتائج سلبية، بخلاف الغايات المرجوة من التلاعب بالالفاظ، لدى تلك الشريحة.

لعبة الالفاظ سلاح خطير للغاية على البيئة الاجتماعية، خصوصا وان عملية ”خداع“ بعض الشرائح الاجتماعية بالامكانيات ”المعرفية“ وقتية، وليست مستمرة، فهذه اللعبة سرعان ما تفقد بريقها، وتنتهي صلاحيتها بطريقة او باخرى، الامر الذي يستدعي التعامل بواقعية، والعمل على مخاطبة الطرف الاخر بطريقة اعتيادية، واستخدام الكلمات المبسطة والابتعاد عن التصنع، او محاولة وضع الالفاظ كوسيلة لاكتساب ”الاحترام“، ”أمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم“، خصوصا وان المستوى الثقافي يشكل ركيزة أساسية، في تحديد نوعية الخطاب المستخدم، فيما محاولة التلاعب بالالفاظ يكشف ”نوع من النقص“ لدى هذا الفريق.

المفردات ليست قادرة على فرض أصحابها على البيئة الاجتماعية، نظرا لوجود شرائح مختلفة قادرة على التمييز بين المحتوى الحقيقي والالفاظ المصطنعة، فضلا عن التفريق بين الغث والسمين، الامر الذي يفسر الاهتمام بخطابات ذات نوعية خاصة، ورفض الخطابات الأخرى، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“، فالكثير من الالفاظ الكبيرة ليست مطلوبة في الخطاب العام، نظرا لمحدودية الفوائد المرجوة من استخدامها بطريقة فجة وغير انسيابية، فالبعض يتحرك وسط الفاظ لا يدرك مدلولاتها، نظرا لإخفاقه وفشله في اختيارها بالطريقة المناسبة، مما يتسبب في حالة من الاستغراب، وعدم الوصول الى الأسباب الكامنة، وراء الإصرار على هذه النوعية من الخطابات المطرزة، بمختلف أنواع الالفاظ الغريبة، والبعيدة عن الثقافة الاجتماعية.

الابتعاد عن الخطاب ”السهل الممتنع“ يعكس هروبا للامام، وعدم القدرة على صياغة الخطاب الطريقة المفهومة من جانب، ويكشف قصورا في القدرة على الطرح الجديد، بما يخدم البيئة الاجتماعية من جانب اخر، مما يفرض الهروب الى الالفاظ ”الفخمة“، من اجل إضفاء حالة من الانبهار لدى المتلقى، وبالتالي فان لعبة الالفاظ ليست دلالة على المستوى العلمي، بقدر ما تكشف القصور في الاختيار المناسب لنوعية الخطاب المستخدم، بمعنى اخر، فان العمل على تضمين الخطاب بعبارات ”معقدة“، ليست الطريقة المثلى للحصول على صك ”العلمية“، او استخراج شهادة الاعتراف الاجتماعي بالمكانة المتقدمة، فالخطاب البسيط يحدث اثرا عميقا في الثقافة الاجتماعية أحيانا كثيرة، نظرا لمحاكاته مع البيئة السائدة، الامر الذي ينعكس إيجابيا على الاستجابة الاجتماعية، لتلك الخطابات الاجتماعية.

التعامل بواقعية مع الواقع الاجتماعي، والعمل على تحريك الالفاظ بطريقة احترافية، عناصر أساسية لاكتساب الاحترام المتبادل، خصوصا وان الحصول على المكانة الاجتماعية يستدعي التعامل بطريقة ذكية، بعيدا عن منطق ”الالفاظ“ الرنانة، فالعملية لا ترتبط بطرح المواضيع بالفاظ غريبة، بقدر ما تستدعي الحرص على انتخاب الالفاظ السهلة، للوصول الى المتلقى بشكل بسيط، بهدف احداث الأثر الكبير بشكل سريع، الامر الذي يساعد في وضع الأمور في النصاب السليم، فالبحث عن المكانة الاجتماعية المتقدمة بواسطة ”الالفاظ الغربية“، بمثابة الركض وراء السراب.

الحرص على الالفاظ الغريبة ليس مذموما بالمطلق، فالعملية مرهونة بطريقة التوظيف، والقدرة على الاستفادة منها بشكل احترافي، بيد ان المشكلة تكمن في غياب القدرة على الاختيار الأمثل، من خلال التعامل مع الالفاظ بشكل مناسب، وبالتالي فان الفرق يكمن في الاليات المعتمدة، في الاستفادة من الالفاظ للحصول على المكاسب، في الحياة الاجتماعية، خصوصا وان التعطش للظهور بشكل صاروخي يدفع البعض للبحث، في بطون الكتب لاختيار بعض الالفاظ، ومحاولة تسويقها في البيئة الاجتماعية، بما يلبي الرغبات الذاتية، وتكريس المكانة الشخصية في الحياة الاجتماعية.

كاتب صحفي