آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

طريق التيه

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض الصلاحيات الواسعة وسيلة لممارسة الاستقواء و”العناد“، حيث ينظر الى الآراء الأخرى باستخفاف واللامبالاة، باعتباره الأكثر قدرة على استشراف المستقبل، بالإضافة لامتلاكه الأدوات اللازمة، للخروج بحلول سحرية لمختلف القضايا، مما يجعله يتعامل ب ”فوقية“ مع جميع الآراء المخالفة، او غير المتوافقة مع القناعات الذاتية، بحيث تقود الى ”التيه“ وعدم القدرة على تلمس الآراء السديدة، نتيجة التمسك بالاراء الخاصة، وعدم اتخاذ مبدأ ”اعقل الناس من جمع عقول الناس على عقله“، حيث تتجلى تلك الممارسات الكثير من الاعمال سواء المصيرية او الطارئة.

القدرة على الاستفادة من الفريق الاستشاري، او أصحاب التجارب ينم عن رجاحة في العقل، وقدرة على تسخير الطاقات البشرية في الاتجاه الصائب، خصوصا وان تقليب وجهات النظر، ومحاولة دراسة جميع الخيارات، والاستنارة بالافكار الأخرى، عنصر أساسي في الوصول الى الحلول المناسبة، وبالتالي إمكانية المعالجة بالطريقة المثلى، بمعنى اخر، فان التحرك بطريقة ”ما اريكم الا ما أرى“، تقود الى الهاوية والدخول في مناطق خطرة للغاية، نظرا لتراكم حجب الغرور الذاتي على رؤية الوقائع، بعيدا عن تضخم ”الانا“ التي تمثل المحرك الأساس، وراء التحرك باحادية في جميع القضايا، ذات المصير المشترك ”وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ? وَمَا هَدَى?“.

ثقافة ”الانانية“ السائدة لدى البعض، تشكل معضلة حقيقية في تحريك الأمور في الاتجاهات المناسبة، فهذه الثقافة ليست قادرة على استيعاب الآراء المختلفة، باعتبارها ”خطر“ يهدد البيئة الاجتماعية، مما يفرض فرض قيود صارمة على العقول الأخرى، فتارة بطريقة مباشرة عبر ”تكميم الافواه“، وعدم السماح بابداء الآراء في مختلف القضايا، الصغيرة منها والكبيرة، وتارة أخرى من خلال التشكيك في النوايا والنظر الى تلك الآراء باعتبارها، ”سم وضع في العسل“، مما يستدعي اسكاتها بطريقة او باخرى، نظرا لما تشكله من خطورة كبرى على البيئة الاجتماعية.

عملية الاستفادة من أصحاب العقد والحل، مرتبطة بنوعية الثقافة السائدة، فالمجتمعات التي تتحرك وفق مبدأ ”الانانية“ تواجه مشاكل عديدة، مما يجعلها غير قادرة على الاستفادة من العقول، نظرا لسيطرة التفكير الفردي، الامر الذي يجعلها عرضة للتخبط، والدخول في تجارب مريرة، بحيث تظهر على اشكال احباطات والبعض الاخر على شكل هزائم عديدة، نتيجة فقدان السيطرة على الاندفاعات الانفعالية والنوازع الذاتية، وبالتالي فان الخروج من ازمة ”الذات“ عملية صعبة في الغالب.

فيما ستكون الأمور اكثر انسيابية واقل صعوبة، في وضع استشارات أصحاب الحل والعقد على الطاولة، نظرا لوجود أرضية قادرة على تلقى تلك الآراء بصدور منفتحة، مما يسهم في تقليب القضايا في جميع الاتجاهات، ومحاولة قراءة ردود الأفعال، الامر الذي يسهم في الاستقرار على الآراء ذات الأثر الكبير، في وضع الحلول المناسبة، نظرا لوجود خيارات متعددة وخبرات مختلفة، فالعملية مرتبطة بوجود بيئة اجتماعية حاضنة لمبدأ ”الشورى“، والاستنارة بمختلف الآراء، وبالتالي فان الحديث عن ضياع بوصلة الحلول ليس مطروحا، في المجتمعات القائمة على مبدأ التشاركية، واستقبال جميع وجهات النظر، نظرا لوجود قناعات راسخة بأهمية التعامل بجدية، مع الآراء سواء كانت المؤيدة او المعارضة.

اتاحة المجال امام فريق الحل والعقد، يتمثل في الكثير من الممارسات، فهناك العديد من الوسائل القادرة على إيصال الأصوات، خصوصا في ظل انتشار وسائل التواصل المباشر، مما يسهم في احداث قفزات كبرى، في سبيل وضع التصورات المناسبة، لمعالجة الكثير من القضايا القائمة، بيد ان المشكلة تكمن الاختيار المناسب لابداء الآراء، فالعملية ليست عشوائية او انفعالية، مما يتطلب الحرص على وضع الأمور في النصاب السليم، وبالتالي فان الحديث عن الخروج من مأزق الاستفراد بالرأي، مرهون بالقدرة على توظيف العقول الناضجة بالشكل المثالي، مما ينعكس بصورة مباشرة على إزالة جميع الإشكالات، او العراقيل من الطريق، لمواصلة المشوار بما يحقق المصلحة المشتركة.

كاتب صحفي