آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

اقتصاد ما بعد كورونا «20»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

تعرض السلسلة المقالات هذه خيارا للقفز بالاقتصاد سريعا لما بعد كورونا، وذلك توظيف صندوق الأدوات المتاحة تحت اليد، انطلاقا من أن الاقتصاد هو منظومة أسواق فيها باعة ومشترون ووسطاء، وأن الناتج المحلي الإجمالي ما هو إلا قيمة ما يباع في تلك الأسواق من سلع وخدمات، وأن السوق المعتلة ستبيع أكثر في حال أن برأت من اعتلالها. وتأسيسا للقفز، فالحل يقوم على خمسة افتراضات أساسية: الافتراض القائم الأول أن اعتلال الأسواق يحد من قيمة السلع والخدمات التي تباع، بالتالي يعيق نمو الناتج المحلي الإجمالي. والافتراض القائم الثاني أن عددا من أسواق السلع والخدمات في اقتصادنا المحلي معتلة يراوح اعتلالها بين الفشل وتدني الفاعلية، والافتراض القائم الثالث أن ثمة علاج للأسواق المعتلة بما يجعلها تبرأ وتنتقل من الفشل إلى الفاعلية ومن تدني الفاعلية إلى الكفاءة، والافتراض القائم الرابع أن النجاح في علاج الأسواق من اعتلالها سيؤدي بالضرورة إلى زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي. والافتراض القائم الخامس أنه من المجدي تصميم وتنفيذ حزمة سياسات مرتكزة على البراهين evidence-based policies لكل سوق، تخرج الأسواق سريعا ”أي في المدى القصير إلى المتوسط“ مما هي فيه أو من جل ما هي فيه أو بعض ما هي فيه. وما يعزز جدوى خيار ”علاج الأسواق“ لتحقيق قفزة اقتصادية منخفضة التكاليف وعالية العائد وسريعة النتائج، هو أنه يأتي متسقا ومكملا لجهد هائل انطلقت منذ عام 2015 من ملامحه الرئيسة المرتكزات الثلاثة التالية: «1» إنه امتداد لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلة الشاملة الذي أعلن عام 2016، المكون من 14 بندا، حيث يمكن الجدل أن بنود الإصلاحات الاقتصادية والمالية مضت للحد البعيد أما الهيكلية فما برح المجال أمامها متسعا. «2» إن خطوات كبيرة اتخذت لإعادة هيكلة منظومة الدعم الحكومي بما يعني إصلاح أسواق المرافق التي كانت تعاني فشل السوق باعتبار أنها تبيع إنتاجها بسعر دول التكلفة ”بخسارة“. «3» إن خطوات جوهرية اتخذت نحو استقلالية الموارد الطبيعية وإخضاعها لاقتصاد السوق، وتحديدا بأن أدرجت شركة أرامكو الحكومية في السوق المالية من خلال طرح عام، وصدور أخيرا نظام محدث للتعدين بما يحوكم الثروة المعدنية في البلاد بهدف تحقيق أفضل عائد.

وبالقطع فإن هذا النهج لا يتطابق مع معايير تستخدمها عديد من الاقتصادات المتقدمة في العالم، بسبب تفاوت الأحوال من دولة إلى أخرى، فما يصلح لاقتصاد متقدم لا يصلح لاقتصاد نام أو ريعي. من جهة أخرى، فتراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية وضبابية أفق نمو الاقتصاد العالمي يدفع إلى الركون لأرضية صلبة متدنية المخاطر.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى