آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

تزامن اللقاء وطيب الأثر

أمير بوخمسين

في عام 1992 أتصل علي أحد الأقرباء وقتها، كنت أعيش مع عائلتي في لندن بلاد الضباب، وطلب مني أن أتوجه إليه، حيث من عادته أن يصّيف سنويا مع عائلته في سويسرا، وأخبرني بأنه سيكون موجودا في شهر جولاي وهو الشهر الذي تسافر فيه عوائل دول الخليج العربي إلى أوروبا أو دول أخرى من أجل التصييف والخروج من تللك الأجواء الشديدة الحرارة.

وكنا آنذاك نتكّون من عائلة صغيرة عدد أفرادها أربعة أشخاص، وحيث كنت مرتبطا بعمل، فقد استأذنت وتوجهت إلى تلك البلاد، وهناك قبل الذهاب قمت بترتيب أموري وتواصلت مع بعض الأصدقاء من أجل ترتيب أمور الإقامة، فقد تم الاتصال بصديق عزيز يعمل في جامعة لوزان في القانون المقارن بروفسوراً انتقل إلى رحمة الله فيما بعد، حيث كان صديقا عزيزا وكريما دعاني عدة مرات من أجل زيارته في سويسرا، إذ كان يقطن في مدينة لوزان الجميلة وذات الطبيعة الساحرة، وإصراره المستمر على أن أزوره وأسكن في شقته، وكنت أحاول التملّص وعدم تحميله هذا العبء إلا أنه أصّر علي ّ بأنني عندما أقدم إلى هذه البلاد فالمكان متوفّر.

الدكتور كان مثالا للصديق الوفيّ وقد شملني برعايته وكرمه وقمة أخلاقه، وتعامله مع ابنائي مثل أبنائه، بالرغم من اختلافنا فكرياً وديناً لم تكن هناك أي حساسية في التعامل معه فعاملني كأخ له ووفّر لي كل ما أحتاجه من سبل الراحة أنا وعائلتي، حيث ترك الشقة بالكامل ولمدة أسبوعين للسكن فيها، وسلمني المفتاح وكل ما تحتويه أمانة لدي، وذهب مع زوجته إلى أهلها في مدينة بازل شمال سويسرا، وترك لي حرية التصرف جيئةً وذهابا وعرض عليّ خدماته في حال احتجت إلى شيء.

أسبوعين قضيناهم مروا مرور سريعاً وكأنها سويعات، تنقلنا بين مدن سويسرا عبر الميترو، هذه الدولة التي أبهرت الجميع والعالم بجمالها وطبيعتها الخلابة والتزام أهلها بالنظام، كان الدكتور على اتصال مستمر لكي يطمئن علينا، وإذا كنا بحاجة، هذا الصديق الحبيب افتقدته وذكراه لا زالت عالقة في أذهان العائلة..

في هذه الرحلة ألتقيت كذلك مع أحد الأقرباء الذي رحل إلى الرفيق الأعلى بسبب أزمة الكورونا في تاريخ 16 جون من هذا العام، وبعد مضي 27 عاما كان دائما يذكر رحلتنا ومرافقتنا لهم آنذاك خصوصا بعد رجوعنا إلى بلادنا، وكم كان كريما وسعيدا عندما ألتقيت به بعد فراق 13 عاما، حيث أمضينا وقتا ممتعا وجميلا، أستمتعنا في تلك الزيارة والتي اعتبرتها تاريخية، تم توثيقها عبر الصور الفوتوغرافية لمشاهدتها بين فترة وأخرى، وكلما اشتقنا لرؤيتها لتذّكر أحداث تلك الرحلة، بقت ذكرياتها عالقة في عقولنا ولا تزال بكل تفاصيلها، وأثر الأخوين ومحبتهما في قلوبنا.

لقد فُجعنا برحيلهم، الدكتور وقريبنا كلاهما فارقا الحياة ورحلوا، ولا زالت ذكراهم حاضرة في أذهاننا، فطيب أثرهم ترك حسرة ولوعة في النفوس على فراقهم، وحزنا عميقا لن يرحل إلا بعد فترة من الزمن ستطول بحكم الذكريات الجميلة المليئة بالأحداث التي عشناها مع بعض.