آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

الحب الخالد

سوزان آل حمود *

هذا الشّهر هو شهر حُزن أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم

عن الإمام الرّضا «عليه السلام» قال:

كَانَ أَبِي صلوات الله عليه إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَم يُرَى ضَاحِكاً ، وَكَانَتِ كَآبَتهُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ اليَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَحُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ ، وَيَقُولُ هذاالْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السلام.

فلماذا أصبح الحسين خالدا في أذهاننا إلى وقتنا هذا؟

لعظمة الحسين

فلقد ترك الحسين إرثاً عظيماً لم يتركه عظيماً غيره في أمته، يقول الراهب المسيحي انطوان بارا «لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبراً، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين»، ويقول جبران خليل جبران: «لم أجد انساناً كالحسين سجّل مجد البشرية بدمائه»، ويقول الزعيم الهندي غاندي: «تعلّمت من الحسين أن أكون مظلوماً حتى انتصر». وهؤلاء الثلاثة ليسوا بمسلمين، فما أعظم الحسين؟

لقد أدرك هؤلاء وغيرهم الكثير من العظماء الذين وقفوا على سر عظمة الحسين وقالوا فيه معنى هذه العظمة، ووعوا الأهداف الإنسانية السامية النبيلة التي سار عليها الحسين، وضحى من أجلها واستهان بحياته في سبيل تحقيقها، وهي أهداف تشترك في سبيل تحقيقها الإنسانية جمعاء فالإنسانية ليست وقفاً على دين من الأديان ، أو قومية من القوميات.

ويتجلّى الهدف السامي من ثورة الحسين واستشهاده في قوله: «أيها الناس: إن رسول الله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله وصحبه وسلم

قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرّموا حلاله».

لقد كان هذا هدف الحسين الرئيسي من ثورته لقد ثار من أجل محاربة الفساد، الفساد بكل أنواعه الإداري والخلقي والاجتماعي والسياسي فحينما يستشري الفساد تموت القيم، وتموت المبادئ العليا، ويموت الدين، وتموت الأمة!!

الحسين يعلمنا كيف يكون الإنسان شجاعاً في الحق ولا ترهبه صولة الباطل ولا تخدعه زهرة الحياة عن أداء رسالة الحق والخير والإيمان ولا يداهن على حساب دينه وكرامته، حتى إذا عاش عاش عزيزاً، وإذا مات مات مع الأبرار كريماً ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

وهنا يتبادر إلى أذهاننا السۆال المحوري التالي الذي يتضمن عدة تساۆلات: ما الذي جعل الإمام الحسين، نبراس الحق الشامخ الأبي؟

وما السر الذي جعل أئمة العصمة الهداة أئمة وقادة لنا نحن المسلمين؟

ثم ما السر في وقوع الاختيار الإلهي على هذه العصبة الطيبة من الرجال الأفذاذ فأكرمهم بأنوار الرسالة بأن جعل منهم أئمة بعد أن اختار من أصولهم الأنبياء والرسل؟

وما هو سر حبه الخالد ؟!

كلّنا وبفطرتنا وما جبلنا عليه نحبّ البقاء ونحبّ أن يبقى لنا الأثر الحسن والذكر الحسن في الحياة بعد رحيلنا عن هذه الدنيا، فهل ثمّة من سبيل إلى ذلك؟

إذا كانت رسالة الرسول الاعظم محمد خالدة، والحسين جزء من الرسول «حسين مني وأنا من حسين»، فإن الحسين قطعا سيكون خالدا في نفوس وقلوب المؤمنين.

إن رسالة الحسين تحمل صوت المعذبين في الأرض وصوت المعذبين لا يموت.. الحسين تمرد على التراب وحمل أنات المعذبين والمضطهدين فهو ضميرهم الذي لا يموت.. والحسين فكرة والفكرة لا تكافح بالضغط، وإنما الفكر يقرع بالفكر، والحسين دمعة تتطور وتتحول إلى موقف، والموقف لا يتمزق ولا يدفن، بل يظل خالداً، والنَّاس ترفعه شعارا وأسوة حسنة.. لذلك كله فالحسين خالدا، وسيظل خالداً حتى قيام الساعة

اللهم اشهد اني اوالي حبيبك وخيرتك من خلقك محمد وآله المطهرين اللهم فوفقني للاصطفاف بالولاء الحق لهم وبالتبرأ من أعدائهم واحشرني مع احبائهم وليس مع من يكثرون السواد ضدهم. فقد علمت أنك جعلت أهل بيت نبيك عليهم السلام وبالأخص الحسين عليه السلام الوسيلة إليك والجادة إلى رضوانك والسبيل إلى جنتك.

جاء في تفسير الرازي: الجزء الثاني والعشرون؛ ص: 166-167 في تفسير سورة الشورى ﴿قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى.

مستشهدا بما جاء عند الزمخشري في الكاشف قال رسول الله صلى الله عليه وآلهوصحبه وسلم :

«من مات على حب آل محمد مات شهيداً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنّة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنّة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة».

عظّم الله أجورنا وأجوركم وأحسن لنا ولكم العزاء .