آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

فتح كربلاء ”4“

محمد أحمد التاروتي *

لعبت ملحمة كربلاء دورا محوريا، في رسم خط واضح للاخرة، فالثورة الحسينية وضعت معالم الذوبان في الله، والتضحية الكاملة في سبيل رضوانه، حيث يتضح هذا الارتباط الكامل بالخالق، والعمل على التسليم الكامل لارادته، في الكلمات التي رددها سيد الشهداء في الرمق الأخير من حياته الشريفة في يوم عاشوراء، كما نقلت كتب السير التاريخية ”اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة“.

نيل رضون الله من قبل انصار الامام الحسين ، تمثل في الكثير من المواقف خلال معركة الطف، فالتاريخ ينقل ان ليلة عاشوراء سجلت الفرق الكبير بين المعسكرين، ففي الوقت الذي كان اللهو والسهر سمة معسكر عمر بن سعد، فان معسكر سيد الشهداء ، كان على النقيض تماما، فقد حيث ”بات الحسين وأصحابه تلك الليلة، ليلة العاشر من المحرم، ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد“ الامر الذي يكشف الفرق الشاسع في الفريقين، فالاول يتحرك لمطامع دنيوية بحته، والفوز بالجائزة التي رصدها عبيد الله بن زياد الخاصة، بقتل الامام الحسين ، بينما الفريق الثاني ينظر الى الاخرة ونصر الدين أولا وأخيرا، ”يا بن رسول الله، لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة“.

فتح الاخرة ترجم بشكل عملي في يوم عاشوراء، فانصار الحسين يتسابقون على ملقاة الجيش الأموي بصدور عارية، حينما خلع سلاحه عابس الشاكري ودرعه وشدّ عليهم مجرّداً، فقيل له: أجُنِنْتَ يا عابس؟! فقال: أجَل، حُبُّ الحسين أجَنّني، بدوره قال حبيب مظاهر عند وقوفه، على رأس مسلم بن عوجسه في يوم الطفوف ”لولا أنِّي أعلم أنِّي في أثرك، لاحِقٌ بك من ساعتي هذه، لأحببتُ أن توصيَني بكلِّ همِّك حتَّى أحفظك في كلِّ ذلك“، فقال له مسلم: «أوصيك بهذا» وأشار إلى الحسين «أن تموت دونه» فقال حبيب: «أفعل ورب الكعبة»، فهذه المواقف تجسيدا عمليا لقول الامام الحسين ”“ لا اعلم. اصحاباً اوفى ولا خيراً من اصحابي ولا أهل بيت ابر وأوصل من اهل بيتي".

عملية التضحية والفداء لدى انصار الحسين ، شكلت دورسا على مر التاريخ لمختلف الأجيال القادمة، فهذه المعركة التي خاضها معسكر لا يتجاوز قوامه 71 شهيدا، امام جيش جرار مجج بالأسلحة، سجلت فتحا كبيرا على طريق ذات الشوكة، بحيث ساهمت في صياغة ثقافة ”كربلائية“، ما تزال معالمها باقية في الوجدان الإسلامي، الامر الذي يفسر ترديد هذه الحادثة على الالسن على مدى القرون الماضية، بمعنى اخر، فان قضية كربلاء وضعت اطارا واضحا، لتحديد الأهداف الإلهية في مقاومة الانحرافات الدينية، بحيث يتجلى في التسليم الكامل للخالق ”شاء الله ان يراني قتيلا“، وبالتالي فان الذوبان في رضوان الله يفرض الخضوع الكامل، سواء بالذات او الاهل.

قدرة ملحمة عاشوراء في ارسال الاشعاعات للضمير الإنساني، وكذلك تزويد المجتمعات بالطاقة الروحية، للارتباط الكامل بالخالق، تمثل احدى تجليات هذه المعركة الخالدة، فالمرء لا يحتاج الى الجهد الكبير للوقوف، على الاختلاف الكبير بين انصار الحسين ، والجيش الأموي في جميع الأمور، فكل فصل من الفصول يوصل الى هذه النتيجة، " والله ان قطعتم يميني أني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقينِ نجل النبي الطاهر الأمين"، وبالتالي فان محاولة الحصول على العبر من الثورة الحسينية ليست صعبة على الاطلاق، فالمواقف الكثيرة قادرة على تزويد العقول المتعطشة، لتلك الاشعاعات من خلال القراءة السريعة لجميع المواقف، سواء بالنسبة لردود أفعال الأنصار او اهل البيت او غيرها من الشخصيات، التي حفرت اسمائها في سجل الخالدين عبر المواقف الصعبة، وعدم التنازل عن المبادئ الإلهية.

وقال الامام الحسين في رساله الى نبي هاشم " اما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح".

كاتب صحفي