آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

فتح كربلاء ”10“

محمد أحمد التاروتي *

يحاول بعض المؤرخين تحجيم معركة كربلاء، ضمن الصراعات السياسية عبر حشرها، في دائرة الخلافات القبلية ”قريش“ بين بني هاشم وبني امية، بهدف اخراج الفاجعة الكبرى من سياقها الحقيقي، ومحاولة إضفاء صبغة الاطماع السياسية، والنزاعات الشخصية على منصب الخلافة، حيث تظهر هذه المحاولات في الكثير من المواقف التي يوردها المؤرخون، سواء نتيجة عدم اكتمال الصورة الواضحة لهذه الفئة، او جراء المواقف المؤيدة للتيار الاموي.

محاولة حرف واقعة الطف عن الأهداف الحقيقية، لم تستطع الصمود امام الحقائق التاريخية، خصوصا وان جميع المحاولات لم تصمد امام الشواهد التاريخية من جانب، وعدم القدرة الاقناع بصحة هذه الادعاءات من جانب اخر، الامر الذي تمثل في تجاهل الكثير من الأمة الاسلامية لهذه الاقوال غير الحقيقية، لاسيما وان سيد الشهداء وضع النقاط على الحروف، بخصوص اهداف الخروج على يزيد بن معاوية، مما يسهم في تفنيد كافة الادعاءات الساعية، لحصر المعركة ضمن الاطماع السياسية، والخلافات على منصب الخلافة، فالامام الحسين اماط اللثام عن التساؤلات الكثيرة لدى أبناء الأمة بقوله «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».

الاطماع السياسية تدفع أصحابها، لمحاولة الحصول على بعض المناصب، وكذلك محاولة انتزاع بعض المكاسب الدنيوية، بيد ان المواقف الرافضة للامام الحسين تفضح تلك الادعاءات الزائفة، خصوصا وان كافة الاغراءات التي قدمتها السلطة الاموية، لضمان سكوت صوت سيد الشهداء وجدت رفضا، واصرارا على مواصلة المشوار حتى النهاية، ”والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد“، الامرالذي يعطي دلالة على وجود منهجية واضحة للنهضة، بعيدا كل البعد عن المطاعم الدنيوية والمناصب السياسية ”على الإِسلام السَّلام، إذا بُلِيَت الأمة بِراعٍ مثل يزيد“، ”لا بَيعةَ لِيَزيد، شارب الخُمور، وقاتِل النَّفس المحرَّمة“.

البحث عن المناصب السياسية يستدعي البحث عن مخارج، لتفادي الاصطدام المباشر، من خلال استخدام ”سياسة الممكن“، فالكثير من التحركات السياسية تستهدف الوصول الى نقاط محددة، للحيلولة دون الدخول في مواجهة مباشرة، بيد ان الوقائع في يوم عاشوراء تتحدث عن مسارات مغايرة تماما، فالاصرار على مواصلة المشوار شكل الموقف السائد لجميع انصار سيد الشهداء ، حيث تجلى في المكاشفة والشفافية التي انتهجها غريب كربلاء بقوله لاهل بيته وأصحابه ”وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتّى يُفرجَ الله، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري، فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام، هذا الّليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَمَلا“، وبالتالي فان الموقف الواضح يكشف الأهداف الحقيقية وراء مواجهة الدولة الاموية.

حاولت الماكنة الإعلامية الاموية التلاعب باهداف النهضة الحسينية، من خلال تسخير الأقلام وتحشيد المنابر الإعلامية، لاضفاء الطابع القبلي للمواجهة العسكرية في يوم عاشوراء، بهدف السيطرة على الرأي العام لدى الامة الإسلامية، خصوصا وان الثقل الديني الذي يمثله سيد الشهداء في الامة الإسلامية، يستدعي التحرك السريع لامتصاص ردات الفعل لدى المجتمع الإسلامي، الامر الذي يتطلب تحريك العقول لتوجيه المجتمع باتجاهات أخرى، من خلال وضع سيناريو يتماشى مع السياسة الاموية، وبالتالي فان العمل على حصر واقعة الطف ضمن الصراع السياسي، يشكل احد الأهداف الأساسية للسيطرة على الامة الإسلامية.

الدعاية الاموية لتوجيه العقل الجمعي للامة الإسلامية، نجحت في مراحل عديدة، بيد انها لم تستطع الصمود لفترة طويلة، نظرا لتكشف الكثير من الحقائق، والفشل في منع انتشار وقائع الجريمة الكبرى، مما ساهم في التشكيك في مصداقية ”الاطماع السياسية“ لمعركة كربلاء، خصوصا وان الصراعات السياسية لا تستدعي الخروج بالنساء للمشاركة في المواجهة العسكرية، وبالتالي فان العملية تتجاوز الاطار السياسي الذي تتحدث عنه بعض الأقلام، فالنهضة الحسينية مرتبطة بالإصلاح، والعمل على تقويم الاعوجاج في مسيرة الامة الإسلامية، لاسيما وان انتقال الخلافة الى التوريث يتطلب موقفا ثابتا، وتضحيات كبرى في سبيل تصحيح تلك المسارات الخاطئة.

وقال الامام الحسين في رساله الى نبي هاشم " اما بعد فان من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح".

كاتب صحفي