آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

ساعة الأمنيات

عقيلة آل حريز *

على قدر ما تقدم في هذه الحياة على قدر ما تحصد، فالذين يقدمون الكثير يحصلون على المتميز والرفيع فيها، وبالعكس تماما يحصل النقيض، فمن لا يبذل لا يستخلص لنفسه العافية والمجد.. ولكوننا مؤمنين، فنحن نعتقد جزما، أن جزاء الآخرة أوفى وأشمل خاصة للذين يوفرون نصيبهم من الخير ويحسنون في هذه الحياة صنعا، ويرفعون سقف أمنياتهم ويتبعوه بالبذل وحسن النوايا.

عمر بن سعد في موقعة كربلاء، شخصية غريبة جدا، جشعة ومتحولة ومتناقضة مليئة بحالة عدم الاستقرار النفسي، خاصة حين نطلع على خلفياتها السابقة، لكنها متكررة أيضا عبر الزمان، نصادفها كل يوم في كثير من الناس الذين نعرفهم، وفي مواقفهم المتناقضة معنا. وهو يعترف على نفسه بالمعركة التي خاضها بداخله:

دعاني عبيداللّه من دون قومه
إلى‌ خطّة فيها خرجتُ لِحَيني‌

فواللّه ما أدري وإنّي لحائر
أفكّر في أمري على‌ خطرينِ‌

أأترك مُلك الريّ والريّ منيتي
أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ؟

وفي قتله النّار التي ليس دونها
حجابٌ، ومُلك الريّ قرّة عينيِ

هو نموذج للشخصيات التي تقف في منتصف الطريق بين الحقيقة والوهم، وتخير نفسها بينهما وتختار الوهم على الحقيقة، رغم معرفتها بها، بل إن بعضهم يخسر تماما مرحلة الاستيعاب ويمرر نفسه من الموقف، بحيث لا يفكر اطلاقا في عواقبه، فيبحث عن الطريق الذي يوافق هواه في اللجظة التي يعيشها، ويقدم كالمستميت في الإيذاء وارتكاب الشر.

توجه عمر بن سعد إلى كربلاء مع 4 آلاف مقاتل، لمقاتلة جيش الإمام الحسين طمعاً في حكم الري، وكان له الدور البارز في تلك الواقعة، وفي استشهاد عدد من أصحاب الإمام الحسين. وهو من رمى بأول سهم على الحسين وأنصاره، معرباً عن عزمه الراسخ على قتالهم. وبعد أن استشهد الحسين وأصحابه أمر بأن توطئ أجسادهم بالخيل وترض أضلعهم فتختلط بلحمهم. لكن ابن سعد قتل سنة 66 هـ على يد المختار الثقفي، ولم ينل حكم الري الذي منى نفسه به. وقد جعلت هذه الحادثة ابن سعد واحداً من الوجوه الكريهة في التاريخ حين يحكي عنه.

عمر ابن سعد، لم يحصل ع أمنياته ولم يصل لمبتغاه، وفقد كل مكاسبه دفعة واحدة رغم اقراره بأن الحق ليس في جهته ما بين الري ولكنه لم يتهنأ به. وقد خاطبه الحسين بقوله: ”والله إنه ليقر بعيني إنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلاً“، وقد نصحه حمزة بن المغيرة بن شعبة، وهو ابن أخته  فقال: أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربك وتقطع رحمك فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين. فقال عمر بن سعد: فإني أفعل إن شاء الله. ومع ذلك فعل رغم نصيحة الكل له أن لا يفعل..!!

ثمة اشخاص في حياتنا يواجهون مواقف كهذه يخسرون الناس وعلاقاتهم بهم بلا مقابل، تتساءل أحيانا لصالح من يتبنون المواقف والخصومات والعداوات؟ وكم الايذاء النفسي الذي يسببونه، وتندهش فعليا وأنت تتساءل عن كم الحمق والغباء أو هو كره مبطن ومستتر بداخلهم ضد خصومهم، وهل أنه كان مبطن واحتاج لأمر ما ليظهر ع السطح بهذه الحيثيات المفتعلة، كم من صداقات عرفناها وفشلت لأن حقيقتها غير ما تظهره، وأخوة كاذبة اتضحت بالمواقف المتخاذلة، وكم من علاقات مفترض أنها طيبة تحولت لخصومات مؤذية دون سبب منطقي لها سوى الوهم، وليت بعضها كان بسبب حكم الري أو غيرها كما أوهم ابن سعد نفسه، بالرغم من أنه كان واضح كرهان خاسر منذ البداية.

 البعض لا غاية له سوى اكتساب العداوات وعمل الخصومات، وكسر الخواطر، مع أن ثمار الخير أيسر له، وأجمل أثرا يتركه، وثمار لمعروف أبقى وأغلى واثمن لمن أتقن صنائعه.. لكن كثير من الناس على شاكلة عمر ابن سعد يسيرون عكس التيار، وينتهجون خط الضياع بلا مقابل.

فبعد أن قتل الحسين وأمر بقطع رؤوسهم ورض صدورهم، ودفن قتلاه في المعركة، سار بجيشه إلى الكوفة ومعه أسراه من عائلة الإمام الحسين. ولما قدم إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة طلب منه الكتاب الذي كتب له في قتل الحسين، فقال إنه ضاع. وحينما خسر ابن سعد كل شيء قال: ”ما رجع أحد إلى أهله بشر مما رجعت به، أطعت الفاجر الظالم ابن زياد وعصيت الحكم العدل وقطعت القرابة الشريفة“.

‏ومهما خُيل لنا أننا تعلمنا كل شيء في هذه الحياة، تظهر في طريقنا مواقف واشخاص يجعلوننا ندرك أننا ما زلنا نتعلم وما زلنا نجهل الكثير الكثير فيها، فنصادف كل يوم نماذج كريهة كهذه غير مستقرة نفسيا في أمنياتها، هدفها الايذاء واستلاب الحقوق أو نقض العهد والخذلان، وإيجاد مبرر لا منطقي لحالة التحول المؤذي بلا سبب سوى افتعال معركة وأسباب واهية لتبرير تراكمات تعبأة بها نفسها، نقيس عليها حالة الضعف التي تعيشها. وكلما تعثرنا بأحدهم وتأذينا، لا نقول أننا تعلمنا من الحياة، بل ما زلنا نتعلم منها.

فالحياة دروس لا تنتهي الا بمماتنا... وهي لا تعطينا دروس بالمجاني لابد أن نتألم لنتعلم ونتغير ولكن للأفضل، ومع ذلك لازال في الحياه الكثير من الصدمات والخيبات والخذلان. ننكسر ثم نُجبر الكسر فنعاود النهوض، وما يرضينا أن دخيلتنا مختلفة تماما عن نهج خط الترنح والضعف الذي انتهجه عمر ابن سعد في ساعة الأمنيات الكاذبة، لم نجرح شعورا أو نكسر قلبا، أو نهدم حياة ونقتل نفسا بدون حق، ونبيع علاقة طيبة برخص وبدون مقابل، ونؤذي مخلوق بوهم كاذب.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سائح في الاثير
[ Dammam-qatif ]: 30 / 8 / 2020م - 2:05 م
ابن سعد لعنه الله عليه وعلى من اخرجه لقتال الحسين يمثل جانب الشر الذي لا يمكن ان يغلف بخير .. هو كمعاقر الخمر الذي يصر على شربه بالرغم من كونه يعلم بحرمته.. لا مبرر لما فعله وكانه ينتقم من طهر الحسين واهل بيته من عهره وفساد نيته .. الا لعنة الله عليه واتباعه لى يوم الدين
قاصة وأديبة وصحفية سعودية «القطيف»