آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

حسين الحرية والكرامة

علي صالح البراهيم

هو أعظم وأجل وأعلى شأناً من كل الصحابة بعد جده وأبيه وأمه وأخيه، شاء من شاء وأبى من أبى. قد امتدحه رسول الله وأثنى عليه واحتفى به أكثر من مرة وفي أكثر من موقف. إذا قال من جملة ما قال: «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا». وقال في حقه وحق أخيه الحسن «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وأوصى المسلمون به وبباقي عترته خيرا اذ قال: «وأهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي - ثلاثا.. ونزلت الآيات البينات والدلائل الواضحات تبرهن على أفضليته، وأنه من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. كما هو مشهور بإجماع المسلمين بواقعه الكساء المشهورة، والتي روتها سيدتنا الزهراء تذكر فيها اجتماعها وزوجها أمير المؤمنين وولديها الحسن والحسين مع أبيها رسول الله تحت كساء يماني طلبها ان تغطيه به، رافعاً يديه الى السماء قائلا: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي إلى ان قال: واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا إلى آخر الحديث. ومما يدل على أفضليته أيضاً ما ذكره ارباب السير من خروج رسول الله لمباهلة نصارى نجران. وبظنكم من أخرج معه؟ هل أخرج أحد من الصحابة وإن بلغو ما بلغو من العلم والفضل والتقوى؟ لا بل اخرج خيرة أهل الارض امتثالاً لأمر الله عزوجل ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ. «61» آل عمران. فخرج وهو يحمل الحسين وبيده الحسن وخلفه ابنته فاطمة وابن عمّه علي بن أبي طالب. وهنا قال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني.

ورغم أني لا أمتهن الشعر وقلمي ليس سيالاً فيه سطرت هذه الكلمات المتواضعة لعلها تلقى القبول في حق من قيلت فيه، وأكون ممن يشملهم قول مولانا الإمام الصادق حيث يقول: من قال فينا بيتا من الشعر بنى الله له بيتا في الجنة».

هذا الحسين ملأ القلوب غزارةً حباً وشغفاً *** وهذا الحب قد استتب

فغدونا نذكره في كل حياتنا *** نستاق رِيا ونبعنا منه شرب

كللنا عزاً شامخاً لا ينثني *** وهذا العز لا يقاس بأي رتب

ننشد دوياً من جنون عشقنا *** لبيك نفديك حسيناً بمن نحب

في سجودي واثناء شرب الماء لا مناص من ذكرك يا أبا عبد الله فسموت بريقا لا يخفت وأضحيت روحي وراحتي معاَ. وأي عز يأتي بعد عزنا بك، وأي شرف ذاك الذي نستقيه منك وتشرأب أعناقنا اعتزازاً وافتخاراً بقائد مثلك.

وجنون عابس لا يقاس مثيله *** فلا يلوم إذ بالجنون قد نسب

أنجن من حب الحسين وأهله *** فصاح من وافى الحسين لم يهب

أجننت يا عابس؟ - نعم حب الحسين - أجنني فأهلاً ومرحباً بهذا الجنون الممزوج والمعجون بعشق الحسين ولا شفاني الله من هذا الجنون.

يا لائمي مهما صنعتم حولنا *** من المكائد والتآمر والخطب

ونسبتنا بالجهل تنشد ذلنا *** ورميتنا بالكفر رمي المحتطب

والله لن تمحو بزيفك ذكرنا *** ولن تجوز فوق عالية الكعب

فمهما حيكت الخطب والمكائد والمؤامرات التي يرنو بها الأعداء إضعاف القضية الحسينية، ونسبوا الى عشاق الحسين الجهل والكفر والملامة والنقيصة فهي لا تضر، فالعشاق مرتفعون تلامس هاماتهم أطراف السماء واعدائهم منحطون محطمون وفي وحل الظلام مندسون، لن يستطيعوا طمس الحقيقة الدامغة وإن جهدوا في ذلك. مصداقاً لقول عقيلة الطالبيين زينب :

«فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا وهل امرك الا فند وايامك الا عدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين».

من ذا الذي صان الشريعة جلها *** بدماء أهل والعيال والصحب

الدين محمدي الوجود حسيني البقاء فبدماء الحسين ودماء أهله وأنصاره تم حفظ الدين من الاندثار على يد بنو أمية الظالمين. فحري بالمسلمين أجمع مهما كانت توجهاتهم ومشاربهم، إحياء ذكر الحسين كنوع من رد الجميل لهذا المنقذ العظيم، الذي حماهم وحفظهم من الوقوع في براثن الضلالة والغواية ومن التردي في مستنقع الكفر بعد الايمان.

من الذي كان النبي عنده *** يقبل عينيه دوماً والهدب

فلطالما أحتصن النبي الكريم حسيناً إلى صدره وقد أكثر من لثمه وتقبيله، وكان يطيل سجوده في الصلاة حتى ينزل حسين من على ظهره. فهو سلام الله عليه قد غذّته يد الرحمة ورضع من ثدي الإيمان ور̛بي في حجر الرسول وقتل من أجل الدين ولم تأخذه في الله لومة لائم.

ثورة قد جلجلت أصدائها *** وابقت يقيناَ راسخاً لا ينشعب

حقباً وأزماناً توالت بعدها *** هيهات ذكراها يزول وينشطب

كذب الموت فالحسين مخلد كلما مر الزمان ذكره يتجدد... نعم هي ثورة متجدده وخالدة بكل عام وباقيه ما بقي الليل والنهار، قد تخطت حدود الزمان والمكان وانبثقت من كربلاء وانتشرت في الخافقين. وكل أحرار العالم يعرفون مدى تأثير هذه الثورة التي انتصر فيها الدم على السيف والحق على الباطل، لإن شعارها كان واضحاً وجلياً وهو الإصلاح ومحاربة الفساد بكل أشكاله وألوانه والتحرر من قيود الظلم والاستعباد.

امل للمنكوب المشرد حسرةً *** أمل للمظلوم المجرح باللهب

نعم هي أمل المنكوبين والمظلومين والمشردين ومناراَ لهم، فكل ظلامه بعد ظلامة الحسين هي هينة وكل نائبة ونازلة لا تعد شيئا مذكورا بعد مصيبة عاشوراء - مصيبة ما أعظمها واعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السموات والأرض.

أمل لليتامى إذ زاد نحبهم *** ذكرو نحب الرضيع إذا انتحب

الرضيع وما أدراك ما لرضيع يتيماَ قبل اليتم فهو قد مات عطشانا بسهم مشئوم ذبحه من الوريد إلى الوريد على صدر والده المكلوم، وبعد سويعات سيقتل أبوه مقطعاَ بالسيوف أرباً ارباً ملقياً على رمضاء كربلاء تصهره حرارة الشمس ثلاثة أيام بلا غسل ولا تكفين.

لن نسى حسينا وإن رام العدا *** قطعاَ باليدين وقطعاً بالرقب

لن ننساه وإن بدت أجسادنا *** منها الدماء تشخب للركب

التاريخ يشهد أن عشاق الحسين تعرضوا إلى اشد عمليات الغدر والتنكيل والتعذيب على أيدي البغاة والغادرين. كل ذلك بسبب ولائهم للحسين ورغبةً في زيارته وأحياء أمره. فتذكر المصادر التاريخية أن المتوكل العباسي قد حاول هدم قبر الحسين مرارا وتكرارا، وبعد كل مرة يقوم بعض من أعيان الشيعة بعملية البناء رغم أجواء من الخوف والتكتم والرعب من السلطة آنذاك. وأن الزائرين من المحبين والموالين يتهافتون على قبره الشريف من كل مكان رغم فرض الغرامات الكبيرة، ورغم تعرضهم للعقوبات الصارمة التي وصلت إلى بعض منهم إلى حد القتل وقطع الكفوف من الأيدي والتعليق على المشانق، ولم يمنعهم ذلك من الزيارة بل أعدادهم تزداد في كل عام بما يغطي قرص الشمس.

لن ننسى عزاً ساميا لا ينقضي*** نرتجي غوثاه ليوم المنقلب

فهذه الدمعة وهذه الصرخة وهذه اللطمة وهذه الخدمة والتضحية رغم الإرهاب المحدق. كل ذلك وفاء وطلبا للأجر والثواب ونيلاً للشفاعة في يوم المنقلب، يوما لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وفقنا الله وإياكم لإحياء أمر الحسين والسير على منهاجه وجعلنا ممن يأخذ بثأره مع إمام منصور من ال بيت محمد «الحجة ابن الحسن» - ارواحنا لتراب مقدمه الفداء -

عظم الله أجري واجوركم بهذه الذكرى الأليمة.