آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

مقال: الحزن، تعريفه ومراحله

علي عبد الله الفتيل

يُعّرف الحزن لغة في المعجم الوسيط: خلاف الفرح، حالة من الغم والكآبة باطناً. ويترجم عنه الظَّاهر في الغالب: من لا يرى الأحزانَ لا يرى الأفراحَ، - رأيت الدَّهر مختلفًا يدورُ... فلا حزنٌ يدوم ولا سرورُ.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: ضد السرور، وفي مختار الصحاح: حَزَنَ الأَمرُ فلاناً حَزَنَ حُزْناً: غمّه.

أي الحزن إحساس لا يقل أهمية عن الفرح، وهو شعور سلبي نشعر فيه بألم نفسي ينتج عنه عدة حالات كالأسى، العجز، الهم، الكآبة واليأس. أحيائياً هو كيمياء معين مركزها الدماغ وبالتحديد لوزة الدماغ تفرزها هرمونات معينة تتسبب بهذه المشاعر والأحاسيس التي بكل تأكيد تعايشنا معها يوماً من الأيام.

ومسبب الحزن عادة الفقد، فقد شخص قريب أو عزيز، فقد مال أو مكانة ومنزلة، أو فقد عافية أو حُسنُ حال كالمرض أو الفراق، فقد يكون هذا الفقد دائماً أو مؤقت، أو اختلاف من حال إلى حال أسوء.

ومن المؤثرات على ردود فعل الحزن ودرجته، الظروف الراهنة لنا من حيث عدة أمور تدور حول التالي:

«لنمثل صورة واقعية لتصل هذه المفاهيم لنا بصورة ملمة، وفاة عزيز وما يدور بحولها»

الحالة الجسدية والنفسية:

لقاء الشخص والتأكد من سلامته الجسدية وجلوسه وتجهيز نفسيته وإحاطته بمن يسندونه وقت الحاجة لتلقي الخبر الحزين وبتقسيمه لعدة مقاطع وإعطائه الوقت الكافي ليسمع الخبر دون مقاطعات.

طريقة استقبال الخبر وإيصاله:

إيصال الخبر وجه لوجه، بجدية، فلا يصح أن يقرأ الخبر من رسالة جوال أو الاستعجال بنشر الخبر للعموم قبل التأكد من توصيله لكل أفراد العائلة، أو أن يستعجل أبناء المجتمع بإرسال رسائل التعزية قبل التأكد من وصول خبر وفاة العزيز له فآخر ما نريده هو دخول شخص في صدمة نفسية.

التوجيه والنصح:

على الأقربون الاجتهاد في معرفة الخطوات لما بعد الخبر، كما في وفاة عزيز، علينا أن نسابق صاحب المصاب لتجهيزات استلام الجثمان وشهادة الوفاة، إجراءات التغسيل والدفن، الإعلان ووقته، مساعدته في تبليغ الأسرة وترتيب العزاء واهم هذا البقاء بجانب هذا الشخص القريب في طوال هذه الفترة.

المواساة والتأقلم:

كما أسلفنا في البقاء بجانب هذا القريب كمواساة، عدم تركه وحيد بقدر المستطاع، وتذكيره أن كل ما يمر فيه هو من طبيعة الوجود وتذكيره بما يؤمن فيه دينياً واجتماعياً.

من واقع تأثير الحزن على الشخص كخصوص والمجتمع وبيئته عموما، يمر فيها صاحب أي فقد أو مصيبة في حزنه بخمس مراحل سنشير إليها بمسمى مراحل الحزن فليس لنا إلا أن نمر بها يوماً من الأيام أو يمر بها عزيزٌ أو قريب.

خمس مراحل في علم النفس قد يُختَلفُ بتقسيمها أو ترتيبها لحد بسيط، ولكن هنا الترتيب الدارج لمعظم العلماء:

الإنكار والعزلة:

بعد معرفتنا بإصابتنا بمرض عضال أو شديد، فقد عزيز أو خسارة مالية كبيرة، فأول ردة فعل طبيعية قد تصدر عنا هي بإنكار هذا الواقع ورفضه كله أو بعضه، وأكثرنا عند وقوع مصاب نقول: لا بالتأكيد هذا لا يحدث معي الآن، أو أن فلان لا يمكن أن يكون قد توفي، كنت معه هذا الصباح؟، أو بالتأكيد هناك خطأ ما فأنا لست مريض فنظامي الغذائي صحي للغاية ولا يمكن أن أصاب بهذا المرض بالتأكيد تحليلاتكم واستنتاجاتكم خاطئة. هذه الأقوال والأفعال المشابهة هي أول مرحلة من مراحل الحزن التي نمر بها حيث تختصر بالإنكار وعدم قبول الواقع والانفراد بالرأي والانعزال عن أي شخص ورأي يثبت الواقع.

الغضب:

بعد أن يبدأ تأثير الإنكار وعزلة الرأي بالتبدد ونكاد أن نمتص صدمة الواقع، إلا أن مرارة الواقع أشد من أن تهضم، وألم الحقيقة أشد من أن نستوعبها فتعود آلية الحماية للعقل البشري بتوجيه هذه المشاعر المختلطة بانفجار نفسي باتجاه أي شخص في محيطنا، قريب، صديق، طبيب أو حتى غريب كلي عنا، قد نفرغ هذه المشاعر للشخص الذي فقدناه، أو للمرض الذي أصابنا وسبب اختيار من نوجه له هذا الانفجار الغاضب دائما ما يكون مكانيا أو زمانينا وليس عقلانياً فليس اختيار مدروس أو بسبب معقول إنما غضب وانفجر وقد لا يمكن تجنب هذه المرحلة أو هذا الانفجار وقد نحتاج فقط لبعض الوقت ليتبدد هذا الغضب ونهدأ.

المساومة والتحسف:

بعد وقت من هدوء الغضب والانفعال المصاحب له، ومحاولة ربط الجأش وإعادة التحكم بالنفس، نبدأ هنا بالتشكيك، التحسف والمساومة، ونبدأ بالسقوط بحفرة ”لو“ حيث نبدأ بالتساؤل بهذه التساؤلات المألوفة: ماذا لو لم أهدي ابني سيارة لما وقع هذا الحادث، ماذا لو ذهبنا لمستشفى آخر لتأكيد التشخيص، ماذا لو لم استثمر بهذا الاستثمار الذي بدد أموالي. هذه المساومات مع النفس ومحاولة الإشارة باللوم ليست سوى محاولة إيجاد معنى مقنع أو إيجاد مذنب لكي نستوعب هذا المصاب وأنه قد يكون هناك ما يمكن عملة ليتغير الناتج لواقع ما قبل المصاب.

الإكتئاب:

بينما مرحلتي الغضب والمساومة واضحتي الملامح لمن في محيطنا إلا أن هذه المرحلة عادة ما تكون مرحلة خفية وخطيرة علينا، في مراحل الحزن الأولى نحاول نحن ومن حولنا أن نحتوي الحزن ونتقدم على مشاعرنا ونتسامح في نتائجها ولكن هنا ما يحدث خفي وغير معلن ولا يباح به لأي شخص وعادة ما تكون هذه المرحلة هي الأطول والأصعب وكل المراحل السابقة هي أساس لهذه المرحلة ولا يختتم الحزن ونستمر في الحياة إلا عند انتهاء هذه المرحلة لما فيها من وحدة وانعزالية وخصوصية في مواجهة سوداوية مع الحياة ككل والنفس خصوصاً ولما فيها من الضرر النفسي والجسدي علينا قبل الخروج منها بشكل صحي.

القبول:

هذه المرحلة لا تعني نهاية سعيدة، لا تعني نهاية الحزن، ولكنها تعني أننا وصلنا لمرحلة قبول الخسارة والفقدان الواقع والتأقلم على الواقع الجديد والتعايش مع التغييرات في أسلوب الحياة بما يتناسب مع ما حل بنا، ولنا أن نأمن بمرارة الحياة بعد هذه المرحلة من حيث معاصرة مثل هذه التجربة والخروج منها لن يعني أننا تعلمنا شيء جديد غير معايشة الألم ولكن ستكون الحياة مختلفة عما كانت عليه، وسيكون الجرح أقل إيلاما في الغد، ستكون دمعة الفقد اليوم ابتسامة لذكرى جميلة كجمال ما كانت عليه الحياة في السابق.

تأثير الحزن على صحة الجسم والصحة النفسية:

في حال الحزن يصاب الحصين «قرن آمون» الواقع في الفص الأمامي قبل الجبهة ومنطقة الصدع بضمور كلما طال الاكتئاب زاد الضمور وزاد التوتر كلما زاد التفكير لتغيير ما لا نستطيع تغييره، فيزداد إفراز الجسم لهرمون الكورتيزول الذي بدوره يعرضك لأخطار أمراض القلب والرئتين والكبد وتقاد لا إراديا إلى الاكتئاب في حالات الحزن الشديد وهذا الهرمون يضعف جهاز المناعة كلما زاد اكتئاب الشخص فتتعرض لانخفاض مادة السيروتونين التي تساعد في تنظيم المزاج والسلوك الاجتماعي، الشهية، الهضم، النوم والذاكرة.

ولا ننسى البكاء كناتج أولى للحزن، وهو تأثير إيجابي لنا، حيث البكاء يساعد بإفراز هرمون الأندروفين المسؤول عن الشعور بالراحة.

العادات الحسنة والسيئة في مجتمعنا المرتبطة بالحزن:

لمجتمعنا القطيفي الكثير من العادات الحسنة وبعض العادات السيئة في التعامل مع من أصيب بمصيبة أو آلمه الحزن، فهناك عادات اجتماعية، شعبية، ودينية تدور حول أفراد هذا المجتمع في معظم الأحداث والوقائع مرسومة كخارطة طريق لأي فرد لمساعدته في تخطي هذا المصاب.

سنبدأ بسرد بعض العادات الاجتماعية السيئة التي تأثر سلبا على صحتنا الجسدية والعقلية كأفراد في هذا المجتمع والعادات الحسنة، ومن أهما وأولها، لا تبكي فأنت رجل كبير، لا تبكي فأنت امرأة عاقلة، بكائك جزع والجزع حرام، اتركوه لوحده لعله يهدأ.

كل هذه الأمثلة لا أصل لها في التداوي والتعافي من آثار الحزن وبالعكس تماما حيث إن البكاء هو من أهم الأمور التي يساعدنا فيه مجتمعنا لتخطي المصائب ومنهجنا هنا كما نرى بالعزاء والقراءة الحسينية بإنزال الدمعة على مصائب أهل البيت وعرض المصاب العظيم الذي حل بعلي وفاطم وولدهم عليهم جميعا سلام الله لتخفيف المصاب الواقع اليوم من فقد حبيب وسكب الدمعة لتخفيف التوتر والكآبة، وان التوحد بالنفس ليس مستحسناً كما ترى في العزاء ان أن أهل هذا الشخص يحوموا حوله ويلازموه بغرض المواساة والمؤازرة وهي عادة حميدة عظيمة قد افتقدناها بعض الشيء في خلال أزمة فيروس كورونا المستجد وبانت أهميتها وصعوبة الحياة بدون هذه العادات والاجتماعات الدينية والاجتماعية.