آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ضريبة النجاح

زكريا أبو سرير

بدأت العلاقة والتعارف والصداقة عندما كنا ننتظر دورنا للدخول إلى قاعة إجراء المقابلات الشخصية للترشح لوظيفة بإحدى الشركات الكبرى، وكنا بنفس المؤهل الدراسي، وبعد حديث قارب علي النصف ساعة تقريبا فيما بننا، دعوت الله لي له بالتوفيق.

كانت الوظائف حينها شاغرة والمطلوب عدة موظفين، فتم بحمد الله اختياري واختيار رفيقي، وكذلك ثلاثة آخرين لم أتعرف عليهم لأني لم أرهم من قبل، ولربما تم إجراء المقابلة معهم في يوم آخر، إلا إن قاعة التدريب المخصصة للشركة جمعتنا في نهاية المطاف، وفيها تم التعارف الجمعي بوجود طاقم التدريب، ولكن مشاعري القلبية كانت تميل إلى الرفيق الأول ومنها انطلقت المسيرة، حيث تعمقت صداقتنا فيما بعد إلى عشرة أعوام قادمة، لدرجة أصبحنا كما التوأم.

في صباح يوم الإثنين الموافق 15/5/1997م، وعند بداية يوم عمل جميل فتحت جهاز الكمبيوتر كالمعتاد لتلقي طلبات عملنا اليومي، وإذا بأول إيميل يفاجئني بكلمة عريضة؛ مبارك عليك الترقية وعلى الزيادة في الراتب واختيارك لإدارة القسم، تهانينا لكم بالتوفيق والنجاح. وبعد هذه البشرى السارة، كان بعدها سطر كله إطراء لي، إلا إن أهم بشرى احتواها ذلك التعميم هي الكلمة الأخيرة المتمثلة في ترقيتي لإدارة القسم.

في تلك اللحظات كان أول إنسان أحببت أن يعانقني ويشاركني الفرحة التي غمرت قلبي، هو صديقي ورفيق دربي، فصرخت باسمه أينك أيها الحبيب، فأجابني، خيرا خيرا أسمعك ما بالك، اللهم اجعله خيرا يا حبيبي، أكيد خير لهذا تراني سعيدا كما ترى، بشرني، فأفسحت له المجال ليقرأ التعميم الإداري بنفسه، وبعد قراءته التعميم، رمقني بنظرة غريبة سددها نحوي كالسهم القاتل، فذبحتني من الوريد إلى الوريد، وتمتم بعدها بصوت خافت جدا: مبروك ومعها قبلة باردة، وكأنه يقول لماذا أنت ولست أنا!.

ومنذ تلك اللحظة شعرت أنها ستكون بداية مرّة، وبالفعل كانت بداية حرب شرسة أخذ يقودها رفيق الدرب، الذي جمعت بيني وبينه أيام سعيدة لا أظن بأني عشت مثلها مع أي إنسان آخر، فلم تكن مجرد أيام عمل وإنما كانت بالنسبة إلينا نزهة رائعة وسعيدة، وجمعتنا أسفار كشفت معادننا، ولكن المؤسف أن هذه العلاقة الرائعة تبخرت في لحظة واحدة نتيجة ما يمكن أن أسميه ضريبة النجاح. فقد ولّد لي النجاح عداوة لم تكن مدرجة في لائحة حياتي، بعدما كنت أظن بأن الموت المقدر على رقاب العباد هو وحده القادر على تفريقنا.

تلك كانت قصة واقعية ومختصرة تبين فيها ضريبة الناجحين، رواها لي أحد الأصدقاء وقلبه مثقل بالحزن وعينه مغرورقة بالدموع، حزنا على خسارة صديقه ورفيق دربه، الذي ما زال حتى الآن يحمل في قلبه الحب والمودة تجاهه، ولم يزل يرفض التحامل عليه بل بقي دائما ما يسأل الله أن يغفر له.

هذه القصة وغيرها من القصص التي تثير الاستغراب والدهشة، تحكي فشل صداقة حميمية نتيجة نجاح وتفوق أحد الصديقين على الآخر. الناجحون ليس لهم ذنب غير أنهم ثابروا وبذلوا قصارى جهدهم لكي يحققوا أحلامهم، وهذا بطبيعة الحال سيكون نتاجه النجاح والتميز علي أقرانهم، ولكن عندما يخلف النجاح لهم أعداء فهذا ليس ذنبهم، ومدرسة الحياة تعلمنا أن نعيش لأجل ننجح لا أن نفشل.

هذا الأمر ينطبق على الجميع. فأنا وانت أيضا يمكننا أن ننجح وأن نحقق نجاحات وافرة في حياتنا، ولكن علينا أن نتأكد جيدا بأننا سوف ندفع ضريبة هذه النجاحات، من خلال عداوات لها أول وليس لها آخر، وكلما ازداد المرء نجاحا توسعت دائرة أعدائه. إذن فاستمرارية النجاح لابد أن تخلف وراءها أعداء وهذه الضريبة النجاح. ولذلك عليك أن تبني توقعاتك المسبقة لضريبة نجاحك التي ربما من مخزون رصيدك الاجتماعي أو ما هو أقرب من ذلك.

النجاح لا يتسنى بضربة حظ، بقدر ما أتي نتيجة التفكير والتخطيط للنجاح.، كما أن طريق النجاح ليس معبدا بالورد بل مليء بالشوك تارة وربما بالثعابين تارة أخرى، وكل مرحلة من مراحل النجاح سوف تصنع لك عدوا، ولكن تعلّم كيف تنجح وتنتصر على كل عدو دون أن يخلف وراءك أي أثر سلبي يوقفك عن مواصلة مسيرة النجاح والتميز والتفوق.

لا تسأل لماذا يحاط الناجحون بالأعداء، ولكن قل ينبغي للناجحين أن يكون لهم أعداء، لأجل أن يزدادوا نجاحا وتميزا وتألقا وفهما للحياة، فوجود العدو حولك قد يصنع لك وقودا يستنفر كل قواك نحو النجاح، وكما ذكر سماحة السيد هادي المدرسي في كتابه تعلم كيف تنجح: النجاح مهارة وليس موهبة، وهو مثل فن القيادة، يستطيع كل من رغب فيه أن يتعلمه، إذن فكر دائما كيف تكون ناجحا لا فاشلا، وإن كانت ضريبة النجاح قاسية لكن النجاح أهم، والنتذكر المقولة الشائعة "إذا أردت معرفة درجة نجاحك، انظر كم الأعداء من حولك"..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Yaser
[ القطيف ]: 15 / 9 / 2020م - 11:22 ص
مقال رائع.

ودي اقول اه بقوة والكل يسمعها.
فيه بعض من الناس لا تحب الخير لغيرها.
وفي القلب غصة لا يمكن البوح بها.