آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

بداية جديدة جدا

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

صدرت عن الهيئة العامة للإحصاء، بداية الأسبوع، أخبار عن انكماش الاقتصاد. وانكماش الاقتصاد يأتي محصلة لفتور الأنشطة الاقتصادية نتيجة للإقبال على المنتجات، ويستتبع ذلك بالضرورة تراجع الطلب على مدخلات الإنتاج، بما في ذلك اليد العاملة والموارد الخام. وعلى النقيض خرجت لنا الأخبار العالمية بمؤشر يحمل شعاعا من أمل. مؤشر مديري المشتريات مؤشر عالمي، وهو من أدق المؤشرات وأكثرها تأثيرا. وقد حمل تباشير تعافي الاقتصاد من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات. وباعتبار أن المؤشر هو مؤشر مركب من مؤشرات فرعية، فإن المؤشر الفرعي للتوظيف يبين تحسنا طفيفا في أيلول «سبتمبر» مقارنة بآب «أغسطس». وفيما يتصل بالسعودية، فقد جلب المؤشر أخبارا سارة حيث تخطى في أيلول «سبتمبر» حاجز ال50 نقطة، التي تعد نقطة التعادل في المؤشر، فالأقل انكماشا، والأعلى توسعا. وبذلك يمكن الاستقراء بأن الأنشطة غير النفطية بدأت التوسع. وبالتأكيد فإن المؤشر يتقلب من شهر لشهر، لكنه لم يتخط عتبة ال50 بالنسبة إلى اقتصادنا منذ بداية الجائحة. ولذا، فهذا التحول في قيمة المؤشر بداية جديدة لاقتصاد دخل الجائحة بصورة وسيخرج منها بصورة متمايزة. فقد دخلنا الجائحة وكان هناك من لا يريد أن يستوعب أن ثمة حياة بعد النفط. لأشهر صعبة وفي عز الجائحة تراجعت أسعار النفط وإيراداته، وفي الوقت ذاته تراجعت الإيرادات غير النفطية، وأقفل القطاع الخاص أبوابه وأقفلت الجائحة بقية الأبواب، وانكمش الاقتصاد تحت وطأة ”الصدمة“.

كل ذلك جلب احتمالا لم يكن في الحسبان، لكننا رأيناه حقيقة تتجسد، وهي أن الخزانة العامة ستتحمل كثيرا في الأوقات الصعبة، وهذا ما كان بالفعل عندما أطلقت المبادرات للسيطرة على الوضع الصحي والحد من انتشار الفيروس، ثم توالت المبادرات بما يحافظ على استقرار الاقتصاد بما يمكنه من امتصاص ”الصدمة“. وبالقطع، فامتصاص الصدمة لا يعني أبدا أن ذلك سيكون بلا آلام، فكل تألم من ناحيته. لكن بقيت المنظومة الحكومية تقدم خدماتها الحيوية دونما انقطاع أو تعطل، هذا مع الإقرار أن الجائحة والحظر الذي نتج عنها فرضا أنماطا جديدة من التعامل بما يتماشى مع الاحترازات والتباعد.

أما الدرس المستفاد، وهو مستل من بين رتل كبير من الدروس، هو أن الاقتصاد غير النفطي وتنمية الإيرادات غير النفطية سلاحان علينا العمل حثيثا لجعلهما محورا للاقتصاد السعودي الجديد. فالجائحة جعلت دولا محورية تعيد التفكير والتدبر بانبعاثات الكربون لجعلها ”صفرية“، فهذا ما يروج له بايدن، في حملته الانتخابية، لاستثمار خمسة تريليونات دولار لجعل الاقتصاد الأمريكي يعتمد 100 في المائة على الطاقة النظيفة بحلول عام 2050.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى