آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

طريقة التوظيف

محمد أحمد التاروتي *

الاستفادة من المعلومة بالطريقة المثلى عملية مشروعة، باعتبارها ورقة رابحة ينبغي استغلالها، بما يعود يحقق الفائدة المرجوة، لاسيما وان التفريط بالمعلومات ينم عن ”سذاجة“، وتفويت الفرصة السانحة، الامر الذي يفسر حجم المكاسب المالية والمعنوية، الناجمة عن امتلاك ”منجم“ المعلومات، لاسيما وان بعض المعلومات لا تقدر بثمن كونها تفتح الابواب المغلقة، وتكشف الكثير من الاسرار، مما يجعلها مطلبا لدى الجميع على الدوام، وبالتالي فان محاولة تجييرها وتوظيفها بالاسلوب المناسب عملية مألوفة، ومنتشرة سواء على الاطار الشخصي او العام.

حرب المعلومات قائمة، وستبقى قائمة بين البشر، من خلال التحرك الدائم على تجاوز الحواجز عبر الوسائل المختلفة، بهدف تسجيل النقاط الكثير على حساب الاخرين، فالعملية ليست محصورة على الصراعات المستمرة بين الدول، والعمل توسيع النفوذ والحاق الاذى في الطرف الاخر، وانما تشمل جميع البشر في مختلف المجالات وفي جميع الاوقات، لاسيما وان الانتصار مرهون بالقدرة على امتلاك المعلومات القادرة على ”كسر عزة النفس“، الامر الذي يستدعي توظيف كافة الاسلحة في سبيل فتح صندوق الاسرار الخاص بالمنافس، سواء كانت من خلال استغلال الاطراف القريبة منه، او عبر عمليات شراء تلك المعلومات، فالصراعات تستدعي التضحية ببعض الأموال، في سبيل الانتصار في المعركة ”المصيرية“.

قيمة المعلومات مرتبط بمدى أهميتها، وقدرتها على تحقيق الكثير من المكاسب، فكل ”حرف“ يكتسب قيمته مما يحتويه من حقائق، الامر الذي يجعل الاسرار ذات قيمة كبرى لدى مختلف الاطراف المنافسة، لاسيما وان محاولة قراءة الطرف المنافس وتفادي التعرض للمفاجآت، يدفع للبحث عن المعلومات بشتى السبل، مما يفرض انتهاج الوسائل غير المشروعة في الغالب، خصوصا وان عملية الوصول المعلومات ليست متاحة بالطريقة المشروعة، الامر الذي يستدعي الاستعانة بالطرق غير المألوفة، لاحداث اختراقات وفتح ”صندوق الاسرار“، والعمل على استغلال المعلومات بما يحقق المصالح الخاصة، والحرص على الاستفادة منها لاطول فترة ممكنة، لاسيما وان بيع المعلومات جملة واحدة يولد ”حسرة“، جراء التفريط في كنز المعلومات، باعتبارها ”الدجاجة التي تبيض ذهبا“.

قوة المعلومة تكمن في القدرة على احداث انقلابات كبرى في القناعات الاجتماعية، من خلال وضع تلك المعلومات في المسارات المعاكسة، وصنع قوالب مخالفة للحقائق وخداع السواد الأعظم، بهدف زيادة النفوذ الاجتماعي والصعود على الاكتاف بطريقة غير نظيفة، الامر الذي يحدث الفوضى الاجتماعية، ويخلف الكثير من المشاكل على الصعيد الفردي أولا، والجمعي ثانيا، ”قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا“، فالعملية مرتبط بالاسلوب المتبع في الاستفادة من تلك المعلومات الخافية على الجميع، فتارة تستخدم بما يحقق الفائدة للبيئة الاجتماعية، وتارة اخرى تجير بالطريقة الخاطئة، مما ينعكس على الوسط الاجتماعي، بحيث تظهر على شكل انتكاسات كبرى، ”وَكَذَ?لِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي“، ”فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَ?ذَا إِلَ?هُكُمْ وَإِلَ?هُ مُوسَى? فَنَسِيَ“.

الوعي الاجتماعي وادراك خطورة اشاعة المعلومات بطريقة مجانية، عناصر اساسية في الحفاظ على التماسك الداخلي، خصوصا وان المعلومات تستخدم لاحداث خصومات، واثارة المعارك الداخلية، انطلاقا من مبدأ ”فرق تسد“، مما يستدعي تحصين البيت الداخلي، وعدم توفير المعلومات الداعمة، لتحطيم التماسك الاجتماعي، بمعنى اخر، فان الاحساس بالمسؤولية الاجتماعية يشكل احد العناصر للاحتفاظ بالمعلومات، وعدم البوح بها بطريقة مجانية لدى الاخر، لاسيما وان امتلاك تلك المعلومات بمثابة ورقة رابحة، تحقق الكثير من الاغراض سواء على المدى القريب، او المتوسط، او البعيد ”الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً“ ”كل سر تجاوز الاثنين شاع“.

تبقى المعلومات ملك حصري غير قابل للمساومة او البيع، باعتبارها الدرع الذي يحمي صاحبه من سيوف الاخرين، وبالتالي فان نزع الدرع بطريقة طوعيه بمثابة انتحار، فانكشاف الصدر للعدو يغري للهجوم بطريقة عشوائية، الامر الذي يتطلب التحرك بمسؤولية للاحتفاظ بالاوراق الرابحة، وعدم التفريط بها مهما كانت المغريات، والضغوط الممارسة، خصوصا وان المصلحة المستقبلية تفرض مقاومة تلك المغريات بشتى السبل.

كاتب صحفي