آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الضغوط الاجتماعية

محمد أحمد التاروتي *

الضغوط الاجتماعي سلاح فعالة تبعا لطريقة الاستخدام، فتارة يمارس بالطريقة السلبية لتحقيق غايات، واهداف معاكسة للقيم الأخلاقية، وطورا يستخدم السلاح بالشكل الايجابي لتقويم السلوكيات الخاطئة، وبالتالي فان الثقافة الاجتماعية تمثل المحرك الأساس، في الاسلوب المتبع للاستفادة من السلاح الفعال، لاسيما وان مقاومة الضغوط الاجتماعية ليست متاحة للجميع، فهناك شخصيات قادرة على الوقوف في وجه التيار الجارف، سواء من خلال الاصرار على المنهج الخاطئ، او التمسك بالقيم الاخلاقية، فيما تجد بعض الشخصيات صعوبة في مقاومة الضغوط الاجتماعية، الامر الذي يتمثل في الانخراط الطوعي في الممارسات الشائعة اجتماعيا، انطلاقا من شعار ”حشر مع الناس عيد“.

منهج ”الشاردة للذئب“ ليس صائبا على الاطلاق، فهناك بعض الممارسات تتطلب الوقوف في وجهها، وعدم الاستسلام لها، باعتبارها اعمال خاطئة وتتنافى مع المنظومة القيمية، مما يستدعي ايجاد الوسائل المناسبة لإعادتها للجادة الصائبة، انطلاقا من المسؤولية الاجتماعية التي تفرض التعامل بحزم، مع كل الممارسات الخارجة عن الذوق العام، وبالتالي فان محاولة الانخراط في تلك الممارسات، انطلاقا من مبررات غير واقعية تجلب الخراب، وتكرس الواقع البائس في الثقافة الاجتماعية، الامر الذي يتطلب ايجاد مناهج ثقافية قادرة على الخروج من شرنقة ”الضغوط الاجتماعية“، والبحث عن اليات مناسبة، لوضع المسار الثقافي على الجادة السليمة.

الرضوخ للضغوط الاجتماعية، ينطلق احيانا من المصالح الشخصية، وكنوع من المجاملة احيانا اخرى، فهناك بعض الاطراف غير قادرة على مقاومة الضغوط الاجتماعية، للانخراط في المسارات المعوجة، نتيجة تضارب المصالح الخاصة، الامر الذي يدفع لمحاولة المهادنة، وعدم رفع الصوت عاليا لاظهار المعارضة الشديدة، بالاضافة لذلك فان المجاملة تمثل احد المسببات وراء ”السكوت“ على الاخطاء، انطلاقا من الفهم الخاطئ لمفهوم ”المجاملة نصف العقل“، وبالتالي فان المجاملة على حساب المنظومة الأخلاقية، ليست مطلوبة على الاطلاق ”لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق“ و”لايطاع الله من حيث يعصى“.

الوقوف امام الضغوط الاجتماعي، ينطلق من قناعات راسخة بضرورة وضع حد، لبعض الممارسات غير المستقيمة، خصوصا وان تلك الاعمال تترك اثارا عميقة في المنظومة الاخلاقية الاجتماعية، مما يستدعي التحرك الجاد لاعادة برمجة العقل الجمعي بطريقة مغايرة تماما، لاسيما وان السكوت يحصد نتائج عكسية على المدى البعيد، بحيث تبرز على اشكال مختلفة سواء على الصعيد الفردي او الجمعي، بمعنى اخر، فان ”كلمة الحق“ بحاجة الى قدرة كبيرة، على مقاومة مختلف انواع الضغوط الاجتماعية، فالعملية مرتبطة بالقناعات الفكرية والايمان الكامل، باحداث تغيير جوهري في الثقافة الجمعية، الامر الذي يسهم في اعطاء دفعات معنوية قوية، لمواصلة مشوار ”المقاومة“، ورفض مختلف اشكال ”الذوبان“، في بحر الثقافة الاجتماعية البائسة.

الهجمة الاجتماعية الكبيرة ليست مدعاة للتنازل عن المقاومة، والانخراط الكامل في الممارسات الخاطئة، خصوصا وان العملية تمثل خطورة على الصعيد الفردي، فالقيم الاخلاقية الفاضلة ترفض الوقوع في فخ المغريات، او ”دفن الرؤوس“ في رمال الضغوط الاجتماعية، ”قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ? وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ? وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ «*» قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ? إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ“ ”وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَ?ذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ“ ”وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ? قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ“، فهناك الكثير من الضغوط الاجتماعية التي تمارس ضد الاطراف غير المستجيبة، بيد ان الارادة الصلبة تمثل الخيار المتاح لتحطيم القيود الاجتماعية، الامر الذي يتمثل مواصلة مشوار المقاومة بمختلف اشكالها، وابقاء الصوت المعاكس مرفوعا حتى النهاية.

اللوبي الاجتماعي بكل امكانياته واساليبه يمثل سلاحا فعالا، فهو وسيلة للاصلاح الاجتماعي في وجه التيارات المنحرفة، وكذلك اداة في الافساد وتكريس الانخرافات الفكرية والثقافية، وبالتالي فان التعامل مع الضغوط الاجتماعي بطريقة سلبية او ايجابية عملية صعبة للغاية، فهناك الكثير من الاعمال المشرفة التي وجدت طريقها للتطبيق، مع استخدام سلاح الضغوط الاجتماعي، فيما توجد العديد من الممارسات المعوجة التي تمارس على نطاق واسع، نتيجة الثقافة الاجتماعية السائدة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد عبدالمحسن
[ الدمام ]: 12 / 10 / 2020م - 8:39 م
لطالما أكد العلماء بإن من أعظم الواجبات الدينيّة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن للقيام بذلك لا بدّ من توفر الشروط اللازمة للقيام بهذه الأمر.
ولهذا ينبغى لمن أراد أن يتصدى لأي إنحرافات من ترك واجب أو في فعل محرم ونحو ذلك، عليه معرفة تلك الشروط حتى لا يقع في المحظور ..!!..
كاتب صحفي