آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

هل سطت التكنولوجيا على حياتنا؟

ابراهيم الزاكي

يبدو أن تكنولوجيا الاتصالات الحديثة أخذت سطوتها تتوسع شيئاً فشيئاً، ويمتد أثرها على الأفراد من مختلف الفئات العمرية. فمع تطور تقنيات الاتصال الرقمي، وتعدد وسائلها، وابتكار هواتف متحركة مرتبطة بالإنترنت على مدار الساعة، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، أو الإعلام الاجتماعي، تشغل حيزاً كبيراً في الحياة اليومية لدى الأفراد في المجتمعات الحديثة، حيث أصبح الإدمان على استخدام الأجهزة الذكية في التواصل الاجتماعي يشكل تهديداً حقيقياً لعملية التواصل المباشر بين البشر.

فها نحن نرى الجميع يستخدم الأجهزة الإلكترونية المختلفة، والهواتف النقالة على أنواعها، في تصفح الإنترنت، وقراءة الرسائل، ومتابعة جديد العوالم الإلكترونية، والعالم الافتراضي، متى شاءوا وأينما وجدوا، سواء كانوا متواجدين بين الأهل والأصدقاء في البيوت والمجالس والديوانيات، أو حين يتواجدون بين الناس في الأماكن العامة والمطاعم والأسواق والمجمعات التجارية، وهو الأمر الذي له تأثيره على نشاطاتهم وتفاعلاتهم مع المحيطين بهم في الواقع الحقيقي، ويفقدهم الارتباط والصلة بهم، ويكبلهم عن أداء مسؤولياتهم وواجباتهم الواقعية.

هل نخطئ الوصف حين القول بأن الثورة التكنولوجية الحديثة سلبت الإنسان الأوقات التي من المفترض أن تكون من حق الأبناء والأزواج، وتقوية علاقات التقارب العائلي، وتعزيز تواصل الأسرة مع بعضها البعض؟ ففي عصر الاتصال الرقمي قلَّ التواصل الواقعي لحساب التواصل الافتراضي. فأفراد العائلة الواحدة عندما يلتقون لا يلتفتون إلى بعضهم البعض لانشغالهم بهذه الأجهزة التقنية كل الوقت، فقلَّ الكلام فيما بينهم، وحلت مكانه رسائل الواتسآب السطحية والباردة، والخالية من الأحاسيس والمشاعر الدافئة.

ويزداد الأمر فداحة حين تخرج الأسر للتنزه في أيام العطل، أو أيام الإجازة الصيفية، فتجد كل من الأبناء والآباء والأمهات منشغلون بأجهزة هواتفهم النقالة، وتصفح مواقع الإنترنت، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يفترض أن تكون هذه النزهة فرصة للخروج من سطوة هذه الأجهزة، والبدء بنشاط يكسر الروتين المعتاد، والتخلص من رتابة النشاط اليومي، وكسر حالة البرود والجفاء داخل العائلة، وتقوية علاقات التقارب العائلي، وتعزيز تواصل الأسرة مع بعضها البعض.

لقد سهلت التقنيات الحديثة حياة الإنسان اليومية، وجعلتها أكثر يُسراً، واختصرت الكثير من أوقاته، ومكنته من التغلب على مصاعب الحياة. فالفرد يستطيع أن ينجز الكثير من الأعمال في أوقات قليلة، وبسرعة فائقة، كما أن هذه التقنيات جعلت العالم يبدو كقرية صغيرة، ومكَّنت الإنسان من التواصل مع أياً كان على سطح هذه المعمورة. إلا أن الإفراط في استخدامها على نحو غير رشيد لن يحقق للإنسان الاستفادة المرجوة منها، ولن تكون وسيلة للرقي بحياة الإنسان والتخفيف من أعباء وثقل الحياة عليه، كما لن تحقق له سبل الحياة الرغيدة، والجودة المنشودة التي يتمناها لحياته.

لا تخلو التقنيات الجديدة، والارتباط بالعوالم الافتراضية، من آثار سلبية عند الإفراط في استخدامها. فهي تؤثر على نشاط الشخص وتفاعله في العالم الواقعي، أو القيام مسؤولياته وواجباته الحقيقية. فالإدمان على التكنلوجيا، والمبالغة في تصفح مواقع الإنترنت، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، يؤثر سلباً على دراسة الطالب ومستوى تحصيله، وعمل العامل ومستوى إنتاجه، ويعزل الفرد عن محيطه، ويربك أوقاته، وفترات أكله ونومه وراحته، فلا يتناول الطعام كما يجب، ويعجز عن النوم بما يكفي.

علاوة على ذلك لا تتيح وسائل التكنولوجيا الحديثة للإنسان فرصة البقاء وحيداً، وتحرمه من الاختلاء بنفسه، وتشتت تفكيره، بعد أن سطت هذه التقنيات على الأوقات المخصصة للهدوء والسكينة وصفاء النفس، والإحساس براحة البال، والبقاء على انفراد من دون مشتتات، وإقامة حوار مع الذات وتأملها، ومراجعة النفس ونقدها، والاستغراق في أحلام اليقظة، والاستمتاع بالزمن، واستعادة الذكريات، بل سطت حتى على المصلي عند قيامه بأداء صلواته وفروضه، وشتت انتباهه وتركيزه.