آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

احفظوا النعمة

زكريا أبو سرير

يذكر لي أحد الأصدقاء الأعزاء من جنوب بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، حيث كان في زيارة إلى محافظة القطيف بدعوة من أحد أصدقائه القطيفين، يذكر أنه لم تكن بالنسبة له العادات والتقاليد مختلفة كثيرا قياس بما هو في الجنوب إلا أمور بسيطة، ويسترسل صديقنا في سرد روايته يقول كنت سعيدا للغاية وخاصة هي الزيارة الأولى لي إلى محافظة القطيف، فمنذ هبوط الطائرة من مطار الدمام حتى دخولنا قلب القطيف قد حفوته باستقبال فاخر ومشرف.

بعدما استمتعنا بسماع الأناشيد والتهاليل في ذكر الله والمدح النبوي وأهل بيته الأطهار ﷺ، فُتحت لنا القاعات الفاخرة وكانت مهيئة ومنظمة وكانت الطاولات قد ملئت بأطباق الطعام المختلف، حيث تنوعت من الأطباق الخليجية والشامية وفي وسطهم الطبق الرئيسي الوليمة والذي يعتبرها الخليجيون جوهرة الطعام.

بدأنا ببسم الله، تناولنا طعامنا الشهي واللذيذ حيث ملئت بطوننا وحمدنا الله وشكرناه، ولكن قبل مغادرة طاولة الطعام يبدو بعد مسح سريع على الطاولة، أجد أن الطبق الرئيسي مع بعض الأطباق لم يتغير منها الشيء الكثير، بل بعض الأطباق لم تلمس إطلاقا غير أنها تم فتحها فقط.

وبعد أن كنا نتهيأ للانتقال إلى الصالة الأخرى، رأيت ما لم أتوقعه ولا بمقدار واحد بالمئة من هذا الطيف من بلادنا الذي يعد من أبرز المتعلمين والمثقفين والمتنورين في بلادنا، والذي أحرص على متابعة أخبارهم التنموية والثقافية أولا بأول عبر الصحف الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ولا أخفي أني شديد الإعجاب بهذا الطيف المميز، رأيت الأطباق تقلب على بعضها البعض، والطعام يختلط ببعضه البعض استعدادا لرميه في القمامة، بغية تنظيف الطاولة لمجموعة أخرى على حساب إهانة النعمة أو دون الالتفات بقيمتها المعنوية والدينية.

وكان في ظن صديقنا الجنوبي، أن العادات في حفظ وتقدير النعمة لا تختلف أو لا تبعد كثيرا بين المواطنين، وخاصة أن بلادنا مرت بفترة تاريخية بفقر وجوع لمس كل مناطق البلاد من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، كما هو حاصل حاليا في بعض الدول من حرمان لهذه النعمة، وعندما حل على بلادنا الخير والبركة حل على جميع المناطق بدون استثناء، فمن ثَم كلنا شعرنا بإحساس قيمة النعمة قبل وبعد، وهذا مما أخبر به آباؤنا وأجدادنا وأذاقونا مرارة ما مروا به وشاهدوا من خلال سرد تلك الفترة التاريخية علينا، ثم قسما والله لولا الحياء أوقفت هذه الإهانة على النعمة وطلبت منهم حفظها لي، ولا أراها تهان وترمى بهذه الصورة غير اللائقة وغير الحضارية، والمعبرة عن عدم وعي بأهمية النعمة، كما إنه كان تبرير صديقه القطيفي، هنا العادة لا تأكل الفضلة حتى وإن لم يأكل منها إلا القليل كما رأيت.

وبعدها أوضح صديقنا الجنوبي كيف هي العادات والتقاليد عندهم بين غنيهم وفقيرهم في مثل هذه المناسبات وغيرها، حيث أكد الكل لديه قناعة بقيمة النعمة والالتزام بحفظها واحترامها والجميع سواسية أمام النعمة، بل من لا يحترم النعمة بأي شكل من الأشكال تقل مكانته واحترامه بين أبناء المجتمع، حيث تبدأ جماعة معينة بتناول الطعام وبعد التوقف عن الأكل ووصول الجميع حالة الشبع، حمدوا الله وشكروا، وبعدها تأتي جماعة أخرى وعلى نفس الطعام تستكمل ما بقي من الطعام وهكذا حتى انتهائه، وإن ظل شيء من الطعام يتم توزيعه على الموجودين بعد إعداده وتجهيزه في أواني حافظة مخصصة للطعام، حيث لا يبقى شيء يرمى من الطعام في القمامة، وثقافتنا مبنية على أن أكل الفضلة من بعد إخوانهم المسلمين هي سنة نبوية وفيها شفاء، لا أنه يفهم أنها إهانة أو تقليل من شأن أحد كما يفهمها البعض من أبناء وطني الأعزاء، ومفهوم ثقافة حفظ النعمة ليس حفظها في البرادات حتى وصولها إلى انتهاء صلاحيتها وبعدها تكون نهايتها في القمامة، فهذه الثقافة من تلك، وإنما مفهوم حفظها معرفة قيمتها أولا، وثانيا معرفة كيفية إدارة النعمة تحت مفهوم الاعتدال والتوازن عند حدود حاجة الشخص، وهذا ما وجهنا الله تعالى اليه حين قال في كتابه الحكيم في سورة الأعراف آية 31 ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ «31 صدق الله العلي العظيم.

هل ممكن أن تتغير هذه العادات والتقاليد، لأجل حفظ النعمة وحتى لا تقل قيمتنا وشأننا بين العربان؟

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سلمان العنكي
7 / 11 / 2020م - 4:39 م
للاسف لن نعرف قيمة النعمة الا اذا فقدناها ...... من وجهة نظري القاصرة لاطريقتنا في القطيف وهي تقديم الزايد المفرط ثم القاءه في الزبالة وبعضه اكثر من ثلاثة ارباع الاصل ....... ولا طريقة بعض الاخرين ان يتوالى على المائدة الثلاث والاربع مجموعات لما لهذه الطريقة من اضرار صحية .....ولاطريقة شاهدتها في المدينة المنورة بنقل الطعام الزائد من الصحون المأكولةالى الصحون الناقص..... الصح ان تكون ثقافة التعامل مع النعمة حاضرة يقدم المقدار الكافي توقعا ولو زاد القليل يعالج ولو نقص يكمل دورن افراط ولا تفريط.....