آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

رأب الانقسام

محمد أحمد التاروتي *

التجاذبات السياسية والتوجهات الثقافية والتحالفات الاجتماعية، عناصر أساسية في احداث هوة واسعة في جدار البيئة الاجتماعية، بحيث تظهر في المواقف المتعارضة على ارض الواقع، الامر الذي يحدث حالة من الانقسام الكبير، لاسيما وان الآراء على اختلافها تجد أصداء واسعة لدى شرائح متعددة، مما يقود لظهور انصار لكل طرف، يحاول الاستماتة في سبيل الانتصار لارائه، والحيلولة دون التسليم بصوابية الآراء الأخرى، مما يعود على الوسط الاجتماعي بحالة من التراخي، وبعض المخاوف من تفاقم الانقسام، ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.

الطبيعة البشرية، وتباين الميول الثقافية، وتنوع الآراء السياسية، وتباعد المصالح الاجتماعية، عوامل تفرض الانقسام الداخلي في البيئة الواحدة، خصوصا في ظل تباعد التوجهات، وتوزع الأهداف لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية، مما يجعل الالتقاء عند نقطة واحدة عملية شاقة، وأحيانا مستحيلة، لاسيما وان المخاوف من الذوبان في الاخر يدفع لـ ”التزاحم“، وعدم الاقتناع بالاراء الأخرى، بحيث تظهر على اشكال متعددة بعضها يتخذ المناظرة والمجادلة، وسيلة للتعبير عن تلك المواقف، والبعض ينهج للعنف ومحاولة القضاء على المنافس، عبر استخدام القوة، والاستفادة من النفوذ الاجتماعي او الضغوط السياسية.

القدرة على هزيمة الانقسام الاجتماعي، تعتمد على الثقافة الاجتماعية السائدة، فهناك ثقافات تتعامل مع الاختلاف بروح إيجابية، باعتبارها ”حرية تعبير“، وجزء التركيبة البشرية القائمة على التعدد، الامر الذي يفضي لحالة من الانسجام الداخلي في الغالب، نظرا لوجود مرتكزات صلبة قائمة على النظرة الإيجابية، للتباين الحاصل في مختلف المجالات الحياتية، وبالتالي فان العملية مرهونة بمدى استيعاب البيئة الاجتماعية لظاهرة الانقسام الداخلي، بحيث تشكل مصدر قوة وعنصر أساسي، في الارتقاء بالتجربة البشرية، في المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية.

البيئة الثقافية الرافضة لمبدأ التعدد، والقائمة على ”الرأي الواحد“، و”القرار الصائب“، ارض خصبة لتكريس الانقسام، وتعميق الروح العدائية، خصوصا وانها غير قادرة على استيعاب الآراء المعارضة، مما يجعل الأمور اكثر تعقيدا، نظرا لسيطرة النظرة الأحادية، واستبعاد جميع التوجهات المضادة، انطلاقا من قناعات بعضها مرتبط بالمصالح الخاصة، والبعض الاخر ناجم عن مرتكزات مشوشة، او غير ناضجة، حيث تعتمد على مبدأ ”الشاردة للذئب“، و”يد الله مع الجماعة“، مما يجعلها تحاول تجيير هذه القناعات بطريقة معينة ومحددة، الامر الذي يسهم في تكريس الانقسام، والعمل وضع الجميع على مسار محدد، ورفض كافة الدعوات الساعية، لفتح الساحة للاراء الأخرى.

تغليب المصالح المشتركة يشكل عامل أساسي، في تشجيع تقبل ”الاخر“، لاسيما وان الجميع يعمل للوصول الى الهدف المنشود، وبالتالي فان الاختلافات مظهر من مظاهر الاجتهاد البشري، وليس ناجما عن احتراف التخريب، او العمل على الاستحواذ على الساحة الاجتماعية، الامر الذي يستدعي التحرك وفق المساحات المتاحة، للتعبير عن التوجهات بعيدا عن ”النوايا السيئة“، بمعنى اخر، فان النظرة الإيجابية قادرة على وضع الاختلافات في الموضع الطبيعي، مما يجعل السيطرة على الانقسام عملية سهلة، وليست صعبة على الاطلاق، نظرا لوجود مشتركات عامة قادرة تجسير الهوة في الآراء، مما يجعل الالتقاء عند نقاط استراتيجية ليس مستحيلا، نظرا لاعتماد المبادئ الجامعة في الاختلافات، واستبعاد النظرة الاقصائية، باعتبارها عنصر هدم وتكريس لحالة الانقسام الداخلي.

الانقسام الاجتماعي يبقى خطرا كبيرا، على المسيرة التنموية، وأحيانا خطرا ”وجودا“ على الجميع، لاسيما وان الانشطار الداخلي يقود للضياع، والاقتتال الاجتماعي، مما يهدد السلم الأهلي، ويصيب العقول البشرية بمقتل، نظرا لانشغالها بالحروب الداخلية على اختلافها، الامر الذي ينعكس على تعطيل الحركة الإنمائية الاجتماعية، ويخلق حالة من الارباك الداخلي في مختلف الاصعدة.

كاتب صحفي