آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

أمريكا ما بعد ترامب

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

حدث ما توقعناه في الحديث السابق، فقد حصد جو بايدن، منافس الرئيس ترامب، أصواتاً ساحقة، نقلته من مرشح للرئاسة، إلى الرئيس المنتخب. ورغم اعتراض ترامب على هذه النتائج، وتهديده باللجوء إلى القضاء، لكن هنالك أجماع حتى داخل فريق عمله، وأيضاً من قبل زعماء متنفذين في الحزب الجمهوري، أن الموضوع صار منتهياً، وأن بايدن هو الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، من غير منازع.

الواضح من خلال بيان النصر، أن بايدن قد وضع تفاصيل أجندة للمئة يوم الأولى، بعد وصوله للبيت الأبيض. كما أصبحت واضحة إلى حد كبير، الأسماء التي ستتصدر الوزارات المهمة في حكومته.

سيركز الرئيس المنتخب، في أيامه الأولى، على احتواء وباء «كورونا»، وفي هذا السياق، أعلن أنه سيشكل فوراً لجنة من العلماء، لوضع خطة عمل واضحة لاحتواء الوباء، قبل التفرغ للمهام الأخرى، وسيتوجه نحو إصلاح القضاء. وإعادة بلاده إلى موقعها الذي كانت عليه قبل وصول ترامب للبيت الأبيض. وسيلغي قرارات ترامب التي انسحب بموجبها من اتفاقية حماية المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، واتفاقيات أخرى.

في ما يتعلق بالسياسة الدولية، يتوقع أن تسود، كما هي العادة لدى قادة الحزب الديمقراطي الذين وصلوا إلى سدة الحكم، سياسة القفازات الناعمة، والضاربة في آن معاً. ويتوقع اتساع دائرة الخلافات مع روسيا، والصين، وأن يعاد تسعير الأزمة مع كوريا الشمالية، لكن ذلك لن يبلغ حد الحرب الباردة، فمثل ذلك لا يتسق مع شخصية الرئيس الجديد.

وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن الذي لا شك فيه، أن صفقة القرن ستكون من الماضي، وستنتهي بانتهاء عهد ترامب. لكن ذلك لا يعني، أن التحالف الاستراتيجي، بين أمريكا، وإسرائيل سيتراجع عما كان عليه في السابق، بل سيأخذ أشكالاً أخرى.

وفي هذا الاتجاه، يميل بايدن لسياسة الآباء المؤسسين لإسرائيل، الذين هم في الأساس من جماعات تنتمي للتيار «الليبرالي»، مثل بن جوريون، وموشي شاريت، واسحق رابين، وشمعون بيريز. وهؤلاء لأسباب تتعلق بيهودية الدولة، اتجهوا منذ بداية التسعينات من القرن المنصرم، نحو تبني قيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية، وأن سياسة ضم الأراضي التي احتلت عام 1967، من وجهة نظرهم، ستشكل تهديداً للأمن، وستلغي يهودية كيانهم، لأن النمو السكاني وسط الفلسطينيين هو أضعاف النمو وسط اليهود.

وعلى هذا الأساس، تفاوض بيريز، ورابين، مع منظمة التحرير الفلسطينية. وتوصلوا عام 1993، لتوقيع اتفاقية أوسلو، بين المنظمة وحكومة إسرائيل. ولذلك يتوقع أن يعيد الرئيس المنتخب الحياة مجدداً لمفاوضات السلام التي انقطعت بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، على قاعدة الاعتراف بقراري مجلس الأمن الدولي، رقمي 242 و338.

وسيتركز دعم بايدن للدولة اليهودية، بشكل خاص، على المزيد من المساعدات الاقتصادية، والمالية، وأيضاً تقديم أحدث ما في الترسانة الأمريكية من أسلحة فتاكة، تحت ذريعة حماية أمنها من التهديدات الخارجية، بما يجعل منها القوة الأكبر، بين جميع دول المنطقة.

وفي سياق السياسة الدولية، سيعيد بايدن الاتفاق النووي الإيراني، بعد تعديلات طفيفة عليه. وهناك خشية من تراجع إدارته عن سياسة ترامب حيال دعم مصر، في موضوع سد النهضة. وربما لن تسير العلاقة بين مصر وأمريكا بشكل جيد، خاصة أن الديمقراطيين يعتبرون القيادة المصرية، مسؤولة بشكل، أو بآخر، عن فشل تمكين «الإسلام المعتدل» للسلطة، بمعنى تسلم «الإخوان المسلمين» للحكم، والذي هو جوهر مشروع أوباما، الذي ارتبط بما عرف ب «الربيع العربي».

هناك أيضاً قضايا حقوق الإنسان، وهو موضوع طرحه بقوة الرئيس المنتخب جو بايدن، وأعادت نائبته كمالا هاريس، التأكيد عليه. وقد يقتضي ذلك حدوث تغيرات سياسية دراماتيكية في المنطقة، سبق لقادة في الحزب الديمقراطي أن أقدموا عليها في العقود الماضية. ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى أن انقلاب سوهارتو في إندونيسيا، الذي تم في أواخر الستينات، قد حدث أثناء عهد الرئيس الديمقراطي، ليندون جونسون، ووقفت خلفه المخابرات الأمريكية. وكان انقلاباً دموياً بكل المقاييس. التاريخ لا يعيد نفسه بكل تأكيد، ولكن استشراف المستقبل، يجب ألا يغفل عن مضاهاة ما جرى بما يمكن أن يجري.

ومن المؤكد أننا أمام مرحلة تاريخية جديدة، يتوجب علينا التنبه لها، ومتابعة ما يجري بحذر، ولكن من غير توجس، وبما يضمن تأمين مصالحنا وحقوقنا القومية، والوطنية.