آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

الثقافة المجتمعية

محمد أحمد التاروتي *

تشكل الثقافة عاملا محوريا في تحريك العقول الاتجاهات المختلفة، باعتبارها الوقود المعنوي القادر على استنهاض الافراد، والعمل على تحريك المياه الراكدة، الامر الذي يحدد المسارات الحياتية في تاريخ المجتمعات البشرية، فالثقافة ترجمة عملية للممارسات السلوكية اليومية، وكذلك انعكاس لمجموعة المفاهيم السائدة لدى الافراد، مما يشكل قناعات مشتركة تعمل على توحيد الرؤى، في مختلف العلاقات الاجتماعية، مما يشكل عناصر مشتركة في المجتمعات، تجاه العديد من القضايا المثارة.

تكريس الثقافة المجتمعية مرتبط بالتحولات المتعاقبة، وكذلك بالاحداث المختلفة التي يكابدها الافراد، لاسيما وان الثقافة مظهر من مظاهر السلوك الخارجي لدى المجتمعات، فالتعاملات اليومية تكشف نوعية الثقافة السائدة، لاسيما وان القناعات الراسخة لدى الافراد ليست وليدة اللحظة، بقدر ما تكشف التراكم التدريجي من المفاهيم المختلفة، مما يولد ايمان كامل بتلك المفاهيم، لدى غالبية الشرائح الاجتماعية، بحيث تكون جزء اصيل من الممارسات اليومية، سواء فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، او المواقف تجاه القضايا المختلفة، الامر الذي يعطي انطباعات لدى الجميع، بوجود مرتكزات ثقافية راسخة تحرك بتلك المجتمعات.

التحولات الاجتماعية، والتحديات الاقتصادية، والظروف السياسية، عناصر فاعلة في تشكيل الثقافة المجتمعية، فهناك العديد من القناعات الاجتماعية، تشهد انقلابا كبيرا مع اختلاف الأجيال، نظرا لارتفاع مستوى الوعي، او نتيجة تبدل النظرة، تجاه بعض العادات القائمة، مما يوفر البيئة المناسبة لاحداث تغييرات تدريجية في المجتمع، بحيث يمهد الطريق لادخال مفاهيم جديدة، تأخذ وضعها في اللاوعي الاجتماعي، لتصبح مع مرور الزمن جزء من الثقافة المجتمعية، وكذلك الامر فان التحديات الاقتصادية تلعب دورا في احداث تغييرات حقيقية، في السلوك الخارجي تجاه بعض السلوكيات العامة، نظرا لقدرة الضغوط الخارجية على احداث تحولات صادمة في الثقافة المجتمعية، بمعنى اخر، فان العملية ليست خاضعة لعامل محدد، بقدر ارتباطها بمجموعة عوامل ضاغطة، تجبر البيئة الاجتماعية، على تبديل تلك القناعات القائمة لفترة طويلة.

التناغم مع توجهات السلطة الحاكمة يلعب دورا كبيرا، وأحيانا سريعا في احداث تحولات حقيقية، في الثقافة المجتمعية، فالسلطة الحاكمة تمتلك الأدوات العديدة، لاحداث غسيل دماغ في الرأي العام باتجاهات مختلفة، مما يجعل الاستجابة لتلك التوجهات عملية سريعة، سواء نتيجة وجود قناعات حقيقية تجاه تلك الثقافة الجديدة، او بسبب الخوف من الوقوف بوجه تلك الاتجاهات السلطوية، الامر الذي يتجلى بشكل واضح في تحول الخطاب الاجتماعي، تجاه بعض ”المحرمات السابقة“ بحيث تصبح مباحة، ومطلوبة، بمعنى اخر، فان تشكيل الثقافة المجتمعية عملية معقدة أحيانا، ومرتبطة بتحول المفاهيم السائدة بشكل بطيء وتدريجي، ولكنها تصبح سريعة، وغير متوقعة في أحيانا أخرى.

الثقافة المجتمعية المرتبطة بالتوجهات السلطوية، ليست قادرة على الصمود، والتجذر في بعض الأحيان، ولكنها تبقى جزء من السلوك الخارجي في الوسط الاجتماعي، خصوصا وان التوجهات السلطوية ليست ثابتة، ولكنها متحولة وأحيانا تكون خاضعة للرغبات الحاكمة، تبعا للظروف السياسة السائدة، بيد ان الخطورة تكمن في قدرة الثقافة السلطوية، على التغلغل بسرعة في الكيان الاجتماعي، مما يجعل عملية استئصالها ليست سهلة، مما يجعلها قادرة على احداث انقسامات عمودية وافقية في الثقافة المجتمعية، بحيث تظهر على سلوك متباينة في البيئة الاجتماعية الواحدة، الامر الذي يشكل تهديدا حقيقيا لقدرة المجتمع على التماسك الداخلي، لاسيما وان الثقافة تشكل الرافد القوي للحفاظ على مجموعة السلوكيات الحاكمة، في العلاقات الإنسانية بالمجتمعات البشرية.

تبقى الثقافة المجتمعية هوية وعلامة فارقة للتفريق بين الأمم، نظرا لاختلافها وتعددها نتيجة التباين في النظرة الحياتية وكذلك للتركيبة البشرية المكونة لتلك الأمم، الامر الذي يفسر الفرق الشاسع في القناعات تجاه الكثير من السلوكية وأحيانا الأخلاقية، جراء وجود مفردات مختلفة في الفهم لتلك التعاملات بين افراد تلك المجتمعات البشرية، بحيث يظهر في تكرس بعض الممارسات في مجتمعات ورفضها في بيئات أخرى، نظرا لتباين الثقافة المجتمعة الحاكمة لدى تلك المجتمعات واختلاف النظرة الأخلاقية لتلك التعاملات اليومية.

كاتب صحفي