آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

كلمة السر

السيد فاضل علوي آل درويش

تدفع الظروف القاهرة والأزمات البعض نحو تصور مستقبله قاتما سوداويا بناء عليها، متناسيا أن مقادير الأمور ومجرياتها تخضع للحكمة والمشيئة الإلهية، أفلا ننظر لقصة نبي يوسف الذي أراد إخوته القضاء على حياته حسدا، فإذا هم يهيئون بفعلهم لتبوئه ملك مصر؟!

وفي استعراض آخر لقصة نبي الله موسى ومواجهة فرعون لدعوته بشتى وسائل البطش والعدوان، ألم يكن يوما هذا الوليد «موسى » قد تربى صغيرا في قصر الفرعون، حتى تبدلت الظروف والأحداث بما لم يكن بحسبان أي متأمل وقارئ لها؟

من خلال هذين الموقفين نستخلص أن مجاري ومقادير الأمور بيد الله تعالى، وأن الظروف والأحداث ما هي إلا سيل من الاختبارات لما استودع في أنفسنا من طاقات وقدرات، يمكن من خلالها شق طريق النجاح بعد إزالة العثرات المتناثرة، فكل تلك الكمية الهائلة من القهر والقلق ليس هناك من داع لوجودها وتجذرها في النفس بسبب أزمة أو إخفاق.

المحافظة على هدوء النفس في خضم المشكلات هو جناح القوة والاقتدار في شخصياتنا، وذلك أنه يعني وجود عقل مركز يعي حجم وتأثيرات الموقف الراهن، متآزرا مع نفس تحمل همة عالية في إيجاد المخارج والحلول المناسبة، فإن روح التعايش وتقبل وضع العمل في وسط الأحداث غير المستقرة يكسب راحة للبال وأملا بتغيير الواقع نحو الأفضل، تفاؤل قائم على النظر من النافذة الإيجابية يحمل قناعة بالقدرة على تجاوز المعضلات والصعوبات، فأمامنا أيام تسر الخاطر بعد عمل دؤوب يأتي بنتائج تؤسس لمستقبل تغيب عنه علائم الخيبة واليأس.

فن التعامل مع الأحداث العصيبة والمشكلات المؤرقة يوميء لحياة ناجحة وسعيدة، من خلال القدرة على الإمساك بمفاتيح وعوامل الأزمة المعينة حينما نتحمل مسئولية معالجتها وليس التهرب منها، فهي محطة اختبار حقيقي وشاق يجلي حقيقة كوامن النفس والقدرات المتوارية والخاملة، وكم من الإمكانيات المخبوءة لما تظهر وتبرز على سطح الواقع، إلا بعد التعامل مع مشكلة معينة أكسبته معرفة وخبرة في مواجهة التحديات.

من المهم النظر إلى المشكلة بعين هادئة تحدد ملامحها وتأثيراتها والاحتمالات المتوقعة لامتدادها، فالوصف والتعريف الدقيق لأي مشكلة يجنبنا متاهة اللبس والحيرة، فأي مشكلة توضع تحت مجهر العقل الواعي والنفس الهادئة يمكن التوصل لنتائج طيبة وقرارات مناسبة يعمل على تنفيذها لاحقا، فالتفكير السلبي واجترار صور المواقف المؤلمة لن يغير من الواقع شيئا ولن يوصلنا لنتائج مفيدة، وقد ينجم عنه خوارا في قوى الفرد وتبدلا في نظرته للمستقبل تشي بالسوداوية واليأس، فليس في الأسى على ما مضى سوى ضياع الوقت والجهد والسقوط مستقبلا في دائرة التيه والضعف النفسي، ولا يريح النفس ويكسبها الهدوء كالإمساك بطرف خيط المشكلة والعمل الجاد على قراءتها والتعرف على أبعادها، فحزمة البدائل والحلول الممكنة تعطي طاقة تشجيعية للاستمرار وتخطي المراحل المتتابعة للحلول؛ لينطلق بكل قوة نحو التطبيق العملي وإيجاد الأرضية للخطوات العملية المتخذة بعناية وتخطيط، وما الفارق الحقيقي بين النجاح والخيبة سوى الصبر وتحمل المتاعب من عدمها، فهناك من يسقط سريعا في أتون الانهزام النفسي ويجر أذيال السقوط سريعا، بينما يتميز الناجحون بالقوة في مواجهة الظروف الصعبة وعدم التخلي عن الأمل بانفراجه مستقبلية للأمور المتأزمة.

ولا يمكن إغفال الأثر الكبير للاستنارة بهدي وإرشاد العقول الواعية من الأصدقاء وأهل الخبرة في مواجهة التحديات، فمهما بلغنا من درجات النضج الفكري فلا غنى لنا عن جمع العقول الواعية لتحصيل وتجويد الآراء والأفكار.