آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

مواقف الابتزاز

محمد أحمد التاروتي *

يحاول البعض الضرب على الوتر الحساس، كطريقة لابتزاز الاخر، ومحاولة إجباره تقديم تنازلات، لاسيما وان استغلال الظرف لعبة هذا الفريق في تحقيق المآرب، انطلاقا من مجموعة المبادئ النفعية التي يعتمدها في شبكة العلاقات الخارجية، فالعملية مرهونة بحجم المصالح المكتسبة من وراء التحالف، وبالتالي فان ”كلمة الشرف“ والالتزام بالمبادئ الأخلاقية، ليست واردة في قاموس العلاقات والتحالفات، مما يدفع لاطلاق مواقف انتهازية وظرفية لتعظيم المنافع، بعيدا عن القيم الاخلاقية الحاكمة في شبكة العلاقات مع الاطراف الاخرى.

عملية الابتزاز مرتبطة بالقدرة على تسخير جميع الظروف، والعمل على توظيفها بالطريقة المناسبة، والتحرك الجاد باتجاه الضغط على الاطراف الاخرى، خصوصا وان امتلاك الاوراق الرابحة عنصر اساسي في تحقيق الأغراض المرسومة، لاطلاق عملية الابتزاز، وبالتالي فان الاختيار المناسب يمثل مفتاح الوصول الى الغايات المستهدفة، بهدف ممارسة الكثير من الضغوط على الاطراف الاخرى، لاسيما وان نوعية الضغوط تختلف تبعا للتطورات الاجتماعية، والظروف السياسية، والأوضاع الاقتصادية، مما يستدعي وضع تلك العناصر في الاعتبار، قبل الأقدام على الخطوة الاولى.

احتساب الخطوات بشكل دقيق احدى السمات، التي تحرك اصحاب المواقف الابتزازية، في اطلاق التحركات، ومحاولة رسم التحالفات مع الاطراف الاخرى، بهدف وضع اطر جديدة لرسم العلاقات المستقبلية، بما ينسجم مع الغايات الذاتية، لاسيما وان التحولات والمتغيرات الاجتماعية تدفع باتجاه تغيير الاتجاهات، ومحاولة الاستفادة منها للحصول على العديد من المكاسب، خصوصا وان الشعور بحاجة تلك الأطراف للمساندة يشكل محفزا أساسيا، للتلويح بضرورة إعادة تقييم الأوضاع السابقة، بما يتوائم مع الظروف الراهنة، وبالتالي فان الإشارات المرسلة والمواقف الجديدة تصب في خانة الابتزاز بالدرجة الأولى، باعتبارها الورقة الرابحة في الظرف الحالي، مما يستدعي الاستفادة من الورقة بالشكل المناسب، لضرب اكثر من عصفور بحجر واحد.

القدرة على الابتزاز مرهونة بمدى استجابة تلك الأطراف، وكذلك بالطريقة المستخدمة لممارسة الضغط، فالاطراف الأخرى تمتلك أوراقا قادرة على تحجيم فريق ”الابتزاز“، والعمل على تحييده، وافشال جميع مخططاته المرسومة، نظرا لوجود ارواق قادرة على احداث تحولات جذرية، وقلب الأوضاع رأسا على عقب، مما يدفع فريق ”الابتزاز“ لاعادة تقييم الأمور، وفقا للمستجدات على الأرض، ومدى ردود الأفعال تجاه المواقف الابتزازية الجديدة، بمعنى اخر، فان المخططات المرسومة على الورق ليست قادرة على التطبيق في الواقع، نظرا لوجود عوامل متحركة وغير ثابتة، مما يهدد تلك المخططات، ويمنع تجسيدها عمليا، الامر الذي يحول دون الوصول الى الغايات المرسومة.

بالإضافة لذلك فان طريقة الابتزاز تشكل عنصرا أساسيا، في الحصول على المكاسب المرسومة، فالابتزار المباشر يجد مقاومة ومعارضة شديدة من الأطراف الأخرى، باعتبارها خروجا عن الاطار المرسوم في العلاقات القائمة بين الأطراف المختلفة، مما يستدعي البحث عن وسائل ملتوية للحصول على المكاسب، خصوصا وان ”الإهانة“ مرفوضة في جميع الأحوال، وبالتالي فان الشعور بالقوة والإحساس بالقدرة على ممارسة الضغط، ليس كافيا لنجاح عمليات الابتزاز، نظرا لوجود مفاجآت غير محسوبة، مما يضع المواقف الابتزازية في مهب الريح، والخروج من ”المولد“ بلا حمص وخالي الوفاض.

القدرة على التموضع وتبديل التحالفات وفقا للمصالح الشخصية، احدى النقاط الأساسية في انتهاج سياسة ”الحيطة والحذر“، تجاه أصحاب المواقف الابتزازية، مما يحول دون استخدام المفاجآت كوسيلة للضغط لتحقيق بعض المكاسب، والحصول على التنازلات من الأطراف الأخرى، خصوصا وان الأطراف المقابلة تضع في الاعتبار حدوث ”الانقلاب المفاجئ“ بين لحظة وأخرى، الامر الذي يدفعها للاحتفاظ بارواق رابحة، وتفادي حصول فريق ”الابتزاز“ على نقاط قوة، لاستخدامها على الدوام بمجرد تبدل رياح المصالح الخاصة.

تبقى المواقف الابتزاز ظاهرة مألوفة، وليست مستغربة، نظرا لاختلاف المبادئ الحاكمة في العلاقات الخارجية في البيئة الاجتماعية، مما يدفع لاستخدام هذه الورقة لتحقيق العديد من المكاسب الانية، وأحيانا الاستراتيجية، خصوصا وان الولاءات والتحالفات تحكمها بعض المصالح الشخصية، مما يجعلها عرضة للانهيار والسقوط على الدوام.

كاتب صحفي