آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

قراءة الواقع

محمد أحمد التاروتي *

التحليق في الخيال، ورسم صورة وردية، يكشف حالة من الانفصام عن الواقع المعاش، فالمرء مطالب بالنزول الى الساحة الاجتماعية، للوقوف على الحالة القائمة وترك الاحلام الوردية، لاسيما وان معترك الحياة يشكل الميدان الحقيقي، للانتصار على التحديات والمصاعب، فيما الهروب والانغلاق على الذات لا يقدم ولا يؤخر، باستثناء التقوقع في ”الحياة النرجسية“، التي تتبخر بمجرد اصصدامها بالواقع المعاش.

عملية الانسجام مع ضجيج الحياة اليومية، بحاجة الى إرادة صلبة، وقدرة على مواجهة الصعاب على اختلافها، لاسيما وان تجاوز الافخاخ الدنيوية يستدعي التحلي بالصبر، والعمل على تسخير القدرات والإمكانيات، من اجل توظيفها في الاتجاه السليم، خصوصا وان الكثير من التحديات الحياتية ليست قدرا محتوما، مما يفرض البحث عن المخارج وإيجاد الحلول المناسبة، بهدف الانعتاق من تلك الاغلال المادية والمعنوية، التي تشل التفكير وتعطيل الحركة الطبيعية، لمسيرة المرء في الحياة.

القدرة على التوفيق بين الامال والواقع، عملية أساسية لتجاوز الكثير من المصاعب الحياتية، فالمرء مطالب بوضع ”معادلة“ دقيقة، للحفاظ على التطلعات والتمسك بالاهداف، والعمل على قراءة الواقع باحترافية عالية، لاسيما وان ترجيح كفة على أخرى يؤخر عملية الوصول الى الأغراض المرسومة، الامر الذي يستدعي التحرك الجاد والحرص على استبعاد مختلف اشكال ”التثبيط“، باعتبارها حواجز مانعة من الوصول الى الأهداف المنشودة، بمعنى اخر، فان معايشة الواقع عنصر أساسي للانطلاق نحو الغايات، واحدى الوسائل العملية لتحقيق الكثير من الطموحات الحياتية، الامر الذي يدفع باتجاه الانغماس بالواقع، وترك الاحلام الوردية، التي تعطل الحركة العقلية.

الدخول في مواجهة الحياة عملية أساسية، ومطلب عملي لاكتشاف الإمكانيات، وآلية لاختبار الإرادة والقدرة على تحمل الصعاب، فالنظريات ترسم المسار للإنسان، ولكنها ليست قادرة على تزويده ب ”فتامين“ النجاح، والبروز في الحياة، وبالتالي فان الإصرار على النجاح يشكل ”الفتامين“ الحقيقي، فالمصاعب الحياتية ضريبة النجاح والوصول الى الأهداف، لاسيما وان الحياة ”المخملية“ و”الاحلام الوردية“ ليست مقياسا، لاكتشاف الإمكانيات الحقيقية لدى الانسان، ”الشجرة البرية اصلب عودا“.

الاعتماد على القناعات الشخصية، والتحرك وفقها دون النزول الى الساحة الاجتماعية، يعطي نتائج سلبية وغير واقعية في الغالب، فهناك الكثير من القناعات ليست قادرة على مسايرة الواقع أحيانا، مما يفرض مراجعتها بشكل سريع، بما ينسجم مع التحولات والتطورات على ارض الواقع، خصوصا وان ايقاعات العصر تفرض قناعات على البيئة الاجتماعية، مما يستدعي التعاطي معها بواقعية بعيدا عن الحياة ”النرجسية“، وبالتالي فان القناعات مرتبطة بالاحداث وكذلك بمستوى التفكير لدى الأجيال، الامر الذي يفسر التطور الكبير في التفكير لدى الأجيال المتعاقبة، ”لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم“.

الاستجابة السريعة مع التطورات المتلاحقة على الساحة الاجتماعية، تنم عن قدرة فائقة في التعاطي مع الواقع المعاش، خصوصا وان الانفصال على البيئة الاجتماعية ”مرض“ قاتل، ويقضي على الامال والطموحات، مما يستدعي الاستمرار في ملامسة الحياة اليومية للواقع الاجتماعي، بهدف التعرف على الهموم والوقوف على المشاكل، من اجل التحرك وفقا لتلك الجروح الاجتماعية، الامر الذي يساعد في تحقيق النجاحات، وتفادي الوقوع في ”فخ“ الفشل، وعدم القدرة على مواكبة الواقع الاجتماعي بطريقة عملية.

قراءة الواقع لا تعني الجلوس في الشوارع يوميا، او التسكع في المجالس على الدوام، بقدر ما تتمحور في قراءة التفكير العام، بهدف معايشة تلك الهموم الاجتماعي، الامر الذي يفضي للتلاقي عند نقاط مشتركة، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة، لاسيما وان العمل الاجتماعي يستدعي التحرك الصادق، بما يحقق الامال والطموحات الاجتماعية، وكذلك توظيف القراءة الواقعية لخدمة الأغراض الشخصية، على الصعيد الاجتماعي.

كاتب صحفي