آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

ماتَ الحب وباقون من أجل الأولاد!

المهندس هلال حسن الوحيد *

أخطر الموتِ ما يسبق الموتَ من موتِ مشاعرِ الأزواج تجاه بعضهم، فبعد اخضرار المحبة وتَورقها، فإذا بها صحراءَ جرداءَ قاحلة، إلا من ذكرياتٍ جمعت الزوجَ والزوجة، وبعض الصبيان والصبايا، يخافان عليهم من انكشافِ سرّ العلاقة، وأن يُقال عنهم أبناء مطلقين! هي فعلاً حيرة، أن يقطعَ الزوجان حبالَ المودة في خريفِ العمر، أو في ربيعه، ويَبقيان دونَ مشاعر ويَهبا حياتهما لغيرهما. والحيرة الأكبر كيف ماتَ ما مات؟ وكيف يحيا مرةً أخرى؟

لا يقتل الموت الحبَّ بين ليلةٍ وضحاها، لكنه يزحفُ زحفاً بطيئا، لا سلامَ ولا كلام ولا لقاء. فكم من زوجٍ وزَوجة هما الآن يقتربان من هذا الجرفِ الصخري والمنحدر العاطفي القاتل الذي لا يمكن الارتقاء منه إلا بشق الأنفس، إن أمكن اصلا؟!

ليس أجمل من أن يتذكر الزوجان بين فينةٍ وأخرى ساعةَ التقيَا، وأن يجدا في بعضهما ما توهما أن يجده كلٌّ منهما في شخصٍ آخر. حيث أجملُ الذكريات هي التي اشتعلت فوق طورِ المحبة، وفي أولِ لقاءٍ بثت الحرارةَ والدِفْئَ في قلبيهما، والتي وصفها المجنون قيس في شعره:

تعلَقتُ ليلى وهي ذات تمائم
ولم يبد للأترابِ من ثديها حجمُ

صغيرين نرعى البهمَ يا ليت أنّنا
إلى اليوم لم نكبر، ولم تكبر البهمُ

حياةٌ مثل جهنم فيها ”بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهرهُ من قبلهِ العذاب“، يتعذب فيه الزوجان والأبناء على حدٍّ سواء، وقاتلٌ صامت على الزوجين أن يعترفَا به عندما يحل ضيفاً في ساحتهمَا، وبذل كل ما في وسعهما من جهود من أجلِ أن تستعيدَ حياتهما الزوجية كاملَ صحتها وتمامَ جمالها ونضارتها، وعدم العيش تكاذبًا معاً - لأنه واجب ومن أجلِ الصبية - بل من أجلِ الكل!

هي فكرةُ ”أنا“، من يفتعل المشاكل في كلِّ شيء ويفسد الحبَّ والود في كلِّ قضية، عملي وشغلي وحياتي وتجارتي ونفسي ورأيي أهم من تلك العلاقة، هكذا يسري السم في جسدِ المحبة ويفتك بها، وإلا ماذا يمنع الإنسانَ من أن يعيشَ بسلام مع من اصطفى واختارَ في أجملِ أيام حياته؟ فلا باركَ اللهُ في ”أنا“ التي تُنهي الحياةَ الجميلة والمشاعرَ النبيلة، وفي نهايةِ رحلة العذاب تقتل الحبَّ المتجدد وتُبدد طموحات من جمعتهم يوماً أجملُ الأوقاتِ وأغلى الذكريات، هم والأولاد!

مستشار أعلى هندسة بترول