آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

التقييم.. الأحقاد

محمد أحمد التاروتي *

هناك فرق بين التقييم الموضوعي والتقييم الاستفزازي، فالاول ينطلق من قواعد أخلاقية وأسس علمية، مما يضفي الكثير من المصداقية، ويسهم في رسم صورة شبه حقيقية، الامر الذي يمثل مرجعا لدى الفئات الباحثة عن الحقيقة، فيما النوع الثاني يتخذ من التقييم واجهة لبث السموم، وتشويه الحقائق، من خلال التعاطي مع التقييم بشكل استفزازي، وغير الموضوعي، مما يعطي صورة سلبية، بهدف رسم صورة مغايرة للواقع.

الاختلاف في التقييم مرتبط بالاغراض والدوافع، فالاول يضع في الاعتبار المحاكمة التاريخية للدراسة، والحرص على تبيض صورته امام الجهات العلمية، لاسيما وان الحقيقة العلمية تفرض انتهاج الموضوعية، وترك العواطف الشخصية جانبا، نظرا للاثار السلبية المترتبة وراء تغليب العواطف على الجوانب العلمية، وبالتالي فان الإصرار على الموضوعية، يرفع من شأن أصحاب هذا الفريق لدى الجهات المحايدة، فيما الثاني ”الاستفزازي“ يجد في التقييم فرصة سانحة لـ ”دس السم في العسل“، من خلال تشويه الحقائق، والعمل على حرف الاحداث، وتزييف الوقائع، مما يطبع صورة قاتمة في ذهن المتلقي، الامر الذي يحدث حالة من الانقسام في الرؤية، تجاه بعض الاحداث التاريخية، نظرا للتضارب الكبير بين الحقائق على الأرض، والتحليل غير الموضوعي، من قبل أصحاب التقييم الاستفزازي.

المسبقات الفكرية والأحقاد الداخلية، تلعب دورا محوريا، في تحديد مسارات التقييم، فالطرف المحايد لا يجد غضاضة، في نقل الوقائع بامانة علمية، نظرا لعدم وجود نوازع شيطانية، تحركه باتجاه قلب الأمور رأسا على عقب، مما يجعل التقييم اكثر دقة، وانقى في رسم الصورة الموضوعة، فيما الطرف ”الحاقد“ يحاول تحريك الأمور في الاتجاهات المعاكسة، من خلال تقديم رؤية مغايرة وعدائية، واحيانا مغلوطة بالكامل، نظرا لوجود مسبقات فكرية عدائية، مما يجعل تحكيم العقل اكثر صعوبة، من خلال اطلاق العنان للعواطف للامساك بزمام الأمور، الامر الذي يتجلى في تسطير الصفحات السوداء.

الادعاءات بالتزام الأمانة العلمية ليست دليلا ثابتا، فهناك الكثير من تجارب التقييم غير صادقة، وتخالف الأمانة العلمية، نظرا لوجود مؤثرات داخلية وعوامل خارجية، في رسم مسار التقييم، وخروج الأمانة العلمية عن جادة الصواب، الامر الذي يتمثل في التجني والكذب الصريح على التاريخ، تارة بهدف إرضاء الغرور الذاتي، واسكات النزعة الشيطانية الساعية للانتقام، وتارة أخرى للاستجابة للضغوط الخارجية الكبيرة، خصوصا وان هناك أطرافا تسعى لاعطاء صورة مشوهة وغير صادقة، مما يدفعها لممارسة الضغوط، لقلب الحقائق بصورة مغايرة تماما.

الصراع القائم بين التقييم الموضوعي والاخر الاستفزازي، ليس جديدا او طارئا على الاطلاق، فهو متجذر في النفس البشرية منذ زمن طويل، نظرا لاختلاف الميول وتعدد النوازع الذاتية، مما يفرض التباين الكبير في قراءة الكثير من الاحداث التاريخية، فالطرف الموضوعي يسعى لوضع الجميع في الصورة الحقيقية، انطلاقا من قناعات ذاتية بضرورة النقل العلمي ”قل الحق ولو على نفسك“، ”قل الحق ولو كان مرا“ مما يجعله عرضة للانتقادات الكثيرة، من بعض الشرائح الاجتماعية، غير المنسجمة مع الرؤية الموضوعية، فيما الطرف الاستفزازي يجتهد في سبيل قلب الحقائق، والعمل على وضع قراءات خاطئة، انطلاقا من الأحقاد الداخلية التي تدفع باتجاه الانتقام بشتى الطرق، خصوصا وان التقييم سيجد طريقه للأجيال القادمة، مما يجعل عملية الوقوف على الحقائق بعيدة المنال، الامر الذي يحفز على السير قدما في اتجاه تخريب العقول القادمة، باحداث محرفة وغير علمية.

الوعي يمثل السلاح الأكثر قدرة على اكتشاف التقييم الموضوعي، والاخر الاستفزازي، خصوصا وان اجراء مقارنة بين الاثنين يكشف جانبا من الصورة المزيفة، كوّن التقييم يتناول حقبة زمنية متقاربة وأحيانا واحدة، مما يضع الكثير من علامات الاستفهام، بخصوص التباين الكبير في التقييم واختلاف الحقائق، الامر الذي يدفع باتجاه البحث لاكتشاف الحقيقية، وبالتالي فان امتلاك الوعي يساعد في وضع الأمور في النصاب السليم، بحيث تكون بداية انقشاع غيمة التقييم الاستفزازي، ورفض تلك الظاهرة غير العلمية في رؤية الاحداث الاجتماعية.

كاتب صحفي