آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 6:58 ص

التفكير الجمعي سبيل إلى النجاح

زكريا أبو سرير

عندما انتهيت منذ فترة من قراءة كتاب بعنوان ”قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف“، لمؤلفه الشيخ والدكتور محمد حسين علي الصغير، وهو عالم حوزوي، وقد التحق بالحوزة الدينية في النجف الأشرف وأكمل دراسته العلمية بالبحث الخارج العالي عند المرجع الراحل الإمام السيد الخوئي رحمه الله، وبعد ذلك واصل دراساته الأكاديمية في جامعات عدة بغداد والقاهرة ودرهام البريطانية وحصل على الدكتوراه في الأدب ومرتبة الشرف الأول، ونال كذلك درجة الأستاذية ”البروفيسور“ حيث يقع الكتاب تحت 314 صفحة.

توقعت بعد صدور هذا الكتاب الرائع، وما أحدثه من نجاح وقبول في الوسط الديني والثقافي، الذي استطاع المؤلف أن يجمع أبرز العلماء والقادة الدينيين والسياسيين الذين لعبوا دورا مهما إبان الحكومات الاستعمارية وما تلاهم من أنظمة استبدادية، حيث كان لهم دور مؤثر على الساحة الفكرية والدينية والسياسية، وتركوا كذلك أثرا دينيا وفكريا بعد رحيلهم وأصبحوا روادا ومؤثرين على الساحة الإسلامية والفكرية حتى بعد رحيلهم وإلى وقتنا الحاضر، وخاصة أن هؤلاء العلماء والقادة شكلوا مدارس فكرية متنوعة.

استشعرنا بعد هذا الطرح المميز، وخاصة أنه من شخصية علمائية لها وزنها العلمي والفكري، أن العقل الديني الفكري بدأ يتحرر من القيود الفكرية الدينية المحبوس فيها، وبدأ ينفتح على كل التيارات الفكرية، وخاصة منهم معه في نفس المنهج العلمي والفكري.

إذ نتفاجأ منذ فترة معينة عن طريق السوشيال ميديا، بأن هناك ندوة علمية، وهي عبارة عن مجموعة ندوات حول قضية دينية وتاريخية، يقيمها مجموعة من العلماء الأفاضل المحسوبين على تيار ديني معين، دون وجود أي عالم دين آخر خلاف المجموعة التي تنتمي إلى نفس المدرسة، رغما أن البحث حول هذه القضية، قد بحثها آخرون من العلماء من مدارس مختلفة وهم من نفس المنطقة، وما زالوا موجودين بيننا ويتمتعون بصحة جيدة وبفكر نير وجميل وعطاؤهم واضحا عند الجميع، وقد كتبوا أبحاث عديدة حول هذه المسألة، فضلا عن محاضراتهم التي تسبح في الفضاء العام، حيث أصبحوا هم البارزين في الإعلام أرضا وفضاء حول هذه الزاوية بالتحديد، وإذ نتفاجأ أننا لا نجد لهم أثرا من ضمن المجموعة، التي لا يعلم عنها الكثير من الجمهور أنهم تباحثوا هذه القضية بدقة ما تباحث بها رفقاؤهم من نفس المنهج العلمي ولكنهم خلاف المدرسة.

وهذا الفرز العلمائي، قد أحدث عدة تساؤلات واستفهامات في الوسط الاجتماعي، أين التنوع الفكري؟ أين بقية علماء المنطقة؟ وخاصة البارزين منهم، من كتاب وخطباء، وهل ما زال فرض الوصايا المجتمعية الدينية والفكرية من جهة معينة قائما إلى يومنا هذا ولم يقبر؟ برغم أن المجتمع قد تغير وأصبح يلفظ أي وصايا فكرية عليه ومن أي جهة كانت، وخاصة المبنية على ثقافة التلقين أو الفرض، وكذلك المجتمع أصبح متنوعا في الفكر والثقافة، فمن تفرضونهم على المجتمع لطرح ومناقشة أي نوع من البحوث قد لا يكونون مؤهلين أو غير مقبولين عند جهة اجتماعية أو عند جانب من الجمهور، فهنا لابد من الحاجة إلى التنوع، لأجل إثراء الفكر والحوار على الساحة الفكرية.

وهذا النوع من الإصرار من التفكير بأنه لا يوجد في البلد إلا الولد، قد ولى وانتهى، بل أصبح منتهي الصلاحية، وغير صالح للاستخدام إطلاقا، وينبغي لهؤلاء أصحاب هذه الأدمغة أن تستيقظ من سباتها، وتفكر بتفكير عصري يتماشى مع الزمان والمكان.

لقد أصبح العالم يدعو لإنجاح أي مشروع مهما كان نوعه، إلى منهجية التفكير الجمعي، وقد دعا له الإسلام قبل ألف وأربعمائة عام، حيث ورد في الحديث الشريف "خيرة الناس من جمع عقول الناس إلى عقله، وبدلا من إلقاء لائحة أسماء معينة وكأنها لائحة فرز انتخابي تفرض على المجتمع، تعالوا نجتمع لكي نشكل قوة فكرية ننجح فكرتنا أو مشروعنا أو أهدافنا الدينية والاجتماعية والثقافية، ولا ينبغي التفكير فيمن نبرز من شخصيات أو تيارات، بل ينبغي التفكير في كيفية تحقيق أهدافنا وتنقية فكرنا والاستفادة من طاقاتنا وصلاح أعمالنا.

وبما أن مفهوم ثقافة التفكير الجمعي تعني الوصول إلى تقريب وجهات النظر، والوصول إلى اتفاق نحو فكرة معينة، والبعد عن الصراعات والنقد السلبي للآخرين، ومما يقدمه من تحليل وتقييم الأفكار، ومما يحافظ فيه على روح الجماعة، كذلك في ثقافة التفكير الجمعي، جانب من الأخلاقيات الإنسانية، حيث تبرز حالة من احترام وتقدير العقول والكفاءات المجتمعية الأخرى، وهذا يعزز أواصر الروح الأخوية والإيمانية والاجتماعية، ويرفع من رصيد الحالة الثقافية العامة، وبهذا التفكير الجمعي، قد حققنا عدة أهداف نبيلة ورائعة، منها إنسانية واجتماعية وعلمية، والجمهور بدوره سوف يقدر هذا النوع من المبادرات الواعية والهادفة.

وكتاب قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، ليس فقط هو عبارة عن تقديم دراسات عن دور كل من هؤلاء العلماء الأجلاء وما قدموا لأجل الإنسانية ومجتمعاتهم والتاريخ فحسب، بل هو كذلك عبارة عن منهجية فكرية ورسالة دينية واجتماعية، في عملية كيفية التفكير والاستفادة من كفاءاتنا الاجتماعية المختلفة، لأجل الحصول على أعلى درجات النجاح والرضا، وينبغي أن نترفع عن خلافاتنا العقدية والفكرية والثقافية في سبيل إنجاح مشاريعنا الحياتية والدينية والثقافية والوطنية، والاستفادة من هذه التجارب والكفاءات والعقول النيرة التي بيننا وفي وسط مجتمعنا، لكي يكون تفكيرنا إبداعيا.