آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

بعد أربع سنوات من الإجازة إليك تجربتي

المهندس هلال حسن الوحيد *

بالطبع عندما تكون فردًا عاديًّا من مليارات البشر، لا يهم بقية العالم ما تأكل أو تشرب أو تعمل، إلا بمقدار ما تتقاطع معهم تجربتك في الحياة سلبًا وإيجابًا. ولا مانع من مشاركة التجارب، فلعل واحدًا من هذه المليارات يجد فيها بعضًا من الفائدة والتسلية. كلُّ فردٍ منا يترك أثرًا لأقدامه فوق الأرض، لكن المعضلة هي كيف يرى اللهُ والتاريخ حجمَ وعمق تلك الآثار وكم تدوم قبل أن تكونَ ذكرى غابرة.

في مثل هذا التاريخ من عام 2016م كنت ألملمُ أوراقي وأهيِّء نفسي لترك العمل الرسمي، مستذكرًا بيتًا من شعرِ الشريفِ الرضي رحمه الله، حفظته منذ زمنٍ طويل:

راحلٌ أنت والليالي نزولُ

ومضرٌّ بك البقاءُ الطويلُ

فليس من السهلِ أن ننقطع عن عملٍ، وأناسٍ صحبناهم قرابةَ الأربعين عامًا، ثم بين عشيةٍ وضحاها، وكأن شيئًا لم يكن! صدقني إن كان أحد يعتقد أن العملَ لعنة، يتمنى أن تمسحها الملائكة بأجنحتها، فالفراغ هو اللعنة بذاتها، حيث بالعمل نحقق أحلامنا وطموحاتنا، ونكسب أرزاقنا.

ما جعلني راضٍ عن هذه المدة هو أنني كنت مقتنعًا على الدوام أن رحلات الحياة، حين تسير فيها، لابدَّ لك من أن تعرف المحطة التالية وتترك المقعد لمن يخلفك فيه، والأهم أنك تقتنع بحتمية النزول وانتهاء الرحلة. ومع علمي بان النزول حتمي، لم تفاجئني المحطة التالية ولم يتغير الكثير مما تعودت عليه في حياتي. ما أيقنت أنه مفيد أضفتُ له قليلًا، وما عرفت أنه غير مفيدٍ تركته أو أقللتُ منه.

منذ عشرات السنين لم يمر يومٌ واحد دون أن أكون مستيقظًا منتظرًا إشراق الشمس، ولم أظن ولو للحظةٍ واحدة أن ما في يدي من يومٍ هو يومٌ تافه لا يستحق الحياةَ والاستمتاع به وشكر وثناء الرب الخالق على الأمس واليوم، وتمني الغد. فما دام اللهُ يعطي من عمرٍ ويفيض من صحة، فسوف أنتظر كلَّ يومٍ وكأنه هدية السماء، وتبقى من العادات التي لا أتركها.

مثلٌ يؤكّد شبه الابن بأبيه، وأن ليس أحد أولى به منه بأن يُشبهه "ومَنْ يشابه أَبَه فما ظَلَمًْ، فلطالما تذكرت حرفةَ أبي في فلاحة الأرض وسعادته بعمله، مع تعبه وقلة العائد المادي، فاستهوتني هذه الحرفة في السنوات الأربع. وأضفتُ لصنعة والدي الكتابة والقراءة اليومية، وفي هذا كان غنى عن إضاعةِ الكثير من الوقت.

أربع سنوات انتهت وكأنها حلم نائم، حاولت فيها أن أجدَ نقطة التصالح مع الوقت في إشغال البدن بالعمل، وإعمال العقل بالفكر، والروح بقليل من القرب من الله. ومن الطبيعي أن يكون وقت فراغ، مشروطًا أن لا يكون فيه صبوة وجهل لا يليق، مع أن هذا متعذرٌ جدًّا.

مستشار أعلى هندسة بترول