آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

رفض الواقع

محمد أحمد التاروتي *

يحمل رفض الواقع في طياتة جانب أخلاقي تارة واخر فوضوي تارة اخرى، فالاول يتحرك لرسم مسار أخلاقي جامع للبيئة الاجتماعية، مما يعزز المنظومة القيمية لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ ، ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ، فيما الثاني يعمد لنسف القيم الأخلاقية ويحاول زرع مفاهيم فوضوية وإجرامية في الثقافة الاجتماعية، بهدف تدمير الواقع القيمي المكرس في البيئة الاجتماعية، ﴿اني أرى ما لا ترون.

الصراع المستمر بين التحركات المضادة، يشكل محفزا دائما للعمل على تسجيل النقاط على حساب الطرف الاخر، فالاول يحرص على انتهاج الاليات والوسائل المشروعة، واستخدام مختلف الطرق لاستقطاب الكثير من الشرائح الاجتماعية، بيد ان غياب القدرة على رؤية الحقائق لدى جزء من البيئة الاجتماعية، يشكل عقبة في القدرة على فرض تلك المنظومة الأخلاقية، على الواقع المعاش، ﴿فما امن معه الا قليل ، الامر الذي يستدعي البحث عن الاليات والوسائل المناسبة، لاحداث اختراقات حقيقية في الوجدان الاجتماعي، خصوصا وان ضياع المنظومة الأخلاقية يمهد الطريق للتيه في الحياة وفقدان الهوية، وبالتالي فان التحرك لرفض الواقع يجد مبررات واقعية، نظرا لحالة الانفلات غير المقبول في الممارسات الخارجية، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، مما يستدعي وضع الضوابط لايقاف استنزاف القيم الأخلاقية، جراء بعض القناعات الزائفة.

فيما يتحرك الطرف الثاني بالاتجاه المضاد تماما، من خلال رسم الصورة الخادعة، وغير الواقعية للمستقبل المنظور، فهو يراهن على انعدام الوعي لدى بعض الشرائح الاجتماعي، وكذلك امتلاك القدرات الإعلامية والمادية، للوصول الى الأهداف المرسومة، مما يسهم في تسميم الواقع الخارجي بمفاهيم مغلوطة، الامر الذي يساعد في استقطاب بعض الفئات الاجتماعية، بهدف اسقاط العديد من القناعات والمرتكزات الأخلاقية السائدة، لاسيما وان المنظومة الأخلاقية تشكل عقبة أساسية، لتحطيم الكثير من الغايات، مما يفرض التحرك الجاد لنسف تلك المنظومة القيمية من الضمير الاجتماعي، من اجل فتح الطريق امام التلاعب بالواقع الخارجي للبيئة الاجتماعية، خصوصا وان التعامل مع الواقع يستدعي الدراسة الوافية، لتفادي السقوط والفشل الذريع.

انتصار المنظومة الأخلاقية، وفوز النظرية الفوضوية، مرتبط بانتهاج الأسباب، وكذلك بالقدرة على الاستفادة من الإمكانيات المتاحة، فالصراع القائم بين الطرفين يفرض دراسة كافة الظروف، والعمل على دراسة الخصم بشكل كامل، لاسيما وان تجاهل المسببات الواقعية يدخل احد الأطراف في متاهات مظلمة، يصعب الخروج منها بسهولة، الامر الذي يستدعي التحرك وفق خطوات مدروسة، بعيدا عن ”العنتريات“ واعتماد الصوت المرتفع، فهذه الأساليب ليست قادرة على تحقيق الانتصار في ساحة المعركة، بمعنى اخر، فان رفض الواقع لا يعني ”المعارضة بدون اعتماد الأساليب المنهجية“، فهناك الكثير من العوامل القادرة على قلب الطاولة على الخصم، وتحقيق الانتصار بطريقة سريعة، مما يساهم في تكريس المبادئ التي ينادي بها الطرف المنتصر.

محاولة الاستفادة من المفاتيح الحقيقية بالمجتمع، عنصر أساسي في إدارة الصراع بالطريقة الذكية، فالتحرك غير المدروس يعطي نتائج سلبية في الغالب، فيما العمل على استقطاب العناصر الاجتماعية المؤثرة، يسهم في السيطرة على البيئة الاجتماعية واغلاق جميع المنافذ امام الخصم، الامر الذي ينعكس في محدودية المناورة، والفشل في نشر القناعات، وبالتالي فان العملية ليست مرهونة للصدفة او العشوائية، بقدر ما ترتبط بالطريقة المستخدمة في إدارة الصراع بالأسلوب المثالي.

الحصول على النتائج السريعة، لا يعني انتهاء الصراع بين المسار الأخلاقي، والاخر الفوضوي، نظرا لاستمرارية الصراع القائم بين الطرفين، خصوصا وان الحرب القائمة بين ”الشر والخير“، ليست مرهونة بحقبة زمنية او فترة محددة، فهي قائمة على الدوام جراء اختلاف المصالح الداعمة، لنشر القيم الأخلاقية، والأخرى الساعية لتخريب المنظومة القيمية، في البيئات الاجتماعية، وبالتالي فان الصراع الدائم يفرض التفكير في ابتكار الطرق المناسبة، للمحافظة على المكاسب، وترك التراخي جانبا، لاسيما وان الغفلة تفتح الطريق امام احد الأطراف للدخول مجددا، وإدارة الصراع وفقا لرغباته، الامر الذي يسهم في كسب العديد من الجولات، وتحطيم الروح المعنوية بشكل مباشر.

كاتب صحفي