آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

التحريض

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض الصوت العالي، ومساحة النفوذ الواسعة، وسيلة لتخريب البيئة الاجتماعية، من خلال وضع العديد من الشرائح الاجتماعي في المواجهة المباشرة، فتارة بواسطة استخدام ”المظلومية“ و”المؤامرة“، لاستقطاب العديد من الفئات، وتارة أخرى عن طريق التلاعب بالمفردات ومحاولة قلب الحقائق، نظرا لعدم اطلاع الكثير من الفئات الاجتماعية على الحقيقة الكاملة، الامر الذي يدفعه للاستمرار في لعبة ”التحريض“ لقلب الطاولة على الجميع، انطلاقا من قاعدة ”علي وعلى اعدائي“ و”سياسة الأرض المحروقة“.

رفض الحقائق، وعدم تصديق الأرقام على الأرض، تمثل احدى المحركات الأساسية وراء انتهاج سياسة ”التحريض“، حيث يحاول البعض استخدام القاعدة الشعبية في تدمير إنجازات العقود الماضية، بهدف السيطرة على الساحة الاجتماعية، فالعملية مرتبطة بالطموحات الذاتية، ومحاولة البقاء في القمة، مما يدفع لاستخدام الوسائل الرخيصة، في سبيل اغراق الجميع في مشاكل اجتماعية خطيرة، لاسيما وان عملية التسليم بالواقع تتطلب ترويضا للذات بالدرجة الأولى، واعتماد سنة الحياة ”يوم لك ويوم عليك“، و”دوام الحال من المحال“، وبالتالي فان رفض هذه الثقافة يجلب الكثير من المشاكل، على الصعيد الذاتي، وفي الاطار الاجتماعي.

استكمال عملية التحريض مرهونة بامتلاك الأدوات اللازمة من جانب، واستجابة القواعد الشعبية من جانب اخر، فوجود احد الأطراف دون تزامن الطرف الثاني، يقود الى الفشل في نجاح المخطط المرسوم، لاسيما وان التخطيط على الورق يصعب تطبيقه على الواقع الخارجي، نظرا لبروز مصاعب وعراقيل تحول دون ترجمة تلك المخططات، سواء نتيجة رفض القواعد الشعبية الانسياق وراء عملية التحريض، انطلاقا من المخاوف من التداعيات الخطيرة على البيئة الاجتماعية، او بسبب انكشاف الأهداف الحقيقية وراء تلك المشاريع التدميرية، وبالتالي فان استكمال حلقات التحريض ينجح في بعض البيئات الاجتماعية، ولكنه يفشل في الوصول الى غاياته في بعض المجتمعات، الامر الذي يسهم في حماية الوسط الاجتماعي من الدخول في المواجهة المباشرة، مما ينعكس بصورة مباشرة على إبقاء الأوضاع المستقرة، وحماية السلم الاجتماعي.

وجود عناصر قادرة على لجم عمليات التحريض، يشكل احد الأسباب الرادعة والمانعة، لانتشار هذه الثقافة في المجتمع، خصوصا وان التحريض يمثل جريمة كبرى بحق المجتمع، مما يستدعي التحرك الجاد لوقف مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية، نظرا للتداعيات الكبيرة على مختلف الشرائح الاجتماعي، بحيث لا تقتصر اثارها على المرحلة الراهنة، ولكنها تمتد الى المراحل المستقبلية، نتيجة احداث انقسامات عمودية وافقية، في الثقافة الاجتماعية السائدة، الامر الذي يولد حالة من الخصومة والصراع في مختلف الجبهات الداخلية، مما يستدعي التفاعل السريع مع هذه الثقافية التدميرية، وبالتالي فان تحرك بعض العناصر يمثل احدى العوامل المساعدة، في القضاء على ثقافة التحريض في البيئة الاجتماعية.

يحاول انصار ثقافة التحريض استغلال بعض الثغرات القانونية، لممارسة هذه الأدوار التخريبية، والعمل على شحن القواعد الشعبية، من خلال استخدام الصوت المرتفع، وكذلك التلاعب بالعواطف للوصول الى الغايات الخاصة، فالعملية ليست مرتبطة بالقواعد الأخلاقية بقدر ما ترتبط بالاغراض الشخصية، الامر الذي يدفع لمحاولة البحث عن الثغرات القانونية للتهرب من المساءلة، والعمل على وضع غطاء قانوني لعملية التحريض، نظرا للمعرفة السابقة بخطورة مثل هذه الاعمال على المستقبل الشخصي أولا، والاثار الخطيرة على الوضع الاجتماعي ثانيا، الامر الذي يدفع لمحاولة تأطير عمليات التحريض بالاطار القانوني.

عملية التحريض سلاح ذو حدين، فكما تشكل طريقا للصعود السريع، وتوسيع النفوذ الاجتماعي، من خلال استغلال الظروف الاجتماعية بطريقة ”سيئة“، فانها تلعب دورا أساسيا في القضاء على المستقبل الشخصي، لاصحاب هذه الثقافة، لاسيما وان التحركات المضادة تسهم في تسريع السقوط المدوي، الامر الذي ينعكس على الحياة الخاصة لانصار ثقافة التحريض.

بكلمة ان التحريض القاتل لعبة خطيرة، لا تجلب سوى الويلات على البيئة الاجتماعية، باعتبارها وسيلة ”العاجز“، وطريقة للقفز على الحقائق، لاسيما وان الفشل في تحقيق الأهداف بالطرق المشروعة، يدفع لمحاولة الالتفاف على الفشل بطريقة ملتوية، عبر استخدام التحريض للسيطرة على الساحة الاجتماعية.

كاتب صحفي