آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

تحيزات عقلك المجبولة تعزل معتقداتك عن الحقائق المتضاربة

عدنان أحمد الحاجي *

بقلم جاي مادوك

2 ديسمبر 2020

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة رقم 04 لسنة 2021

Your brain’s built-in biases insulate your beliefs from contradictory facts

Jay Maddock

Updated December 2,2020

بدأت تنتشر شائعة في عام 2008 بأن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، كنت أعمل كرئيس لمجلس الصحة في هاواي. قام كل من مدير ونائب مدير الصحة، وكلاهما كانا معينين من قبل حاكم الولاية الجمهوري، بالتحقق من شهادة ميلاد أوباما في سجلات الولاية وصادقا على أنها حقيقية [1] 

كنت أعتقد أن هذا الدليل سوف يحسم الأمر، لكنه لم يحسمه. كثير من الناس اعتقد أن شهادة ميلاده كانت وثيقة مفبركة. حتى اليوم، لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن الرئيس أوباما لم يولد في الولايات المتحدة [2] .

مؤخرًا، كنت أستمع إلى بودكاست بعنوان ساينس فرايداي ”Science Friday“ عن الحركة المناهضة للتطعيم [3] . جرى اتصال تلفوني بسيدة لم تكن تعتقد أن اللقاحات آمنة، على الرغم من الأدلة العلمية القاطعة على أنها آمنة [4] . سألتها مقدمة / مقدم البرنامج عن قوة الإثباتات التي تحتاج إليها حتى تصدق بأن اللقاحات آمنة. كانت إجابتها: مهما بلغت الأدلة العلمية من كثرة لا يمكن أن تغير رأيها.

 

كطبيب نفساني، أزعجتني هذه المقايضة، لكنني لم أشعر بالصدمة. هناك الكثير من الآليات المعروفة في علم النفس البشري والتي تمكّن الناس من الاستمرار بالتمسك بشدة بمعتقداتهم حتى في وجه المعلومات المتناقضة.

الاختصارات العقلية تأتي مصحوبة بالتحيزات

افترض علم النفس في أيامه الأولى أن الناس سيتخذون قرارات عقلانية. ولكن على مدى عقود من الزمن، أصبح من الواضح أن العديد من القرارات التي يتخذها الناس - بشأن خيارات تتراوح من اختيار شركاء رومانسيين وأمور مالية إلى سلوكيات صحية محفوفة بالمخاطر [5]  كالجنس غير الآمن وسلوكيات معززة للصحة [6]  - لا تُتخذ بشكل عقلاني.

وبدلًا عن ذلك، لدى العقول البشرية نزعة تجاه العديد من التحيزات العقلية / المعرفية [7] . هذه أخطاء منهجية في الطريقة التي تعتقدها عن الحياة / العالم. نظرًا لتعقيدات العالم من حولك، دماغك يقوم بتدوير بعض الزوايا ليساعدك على التعامل مع المعلومات المعقدة بسرعة.

على سبيل المثال، يشير تحيز التوافر الارشادي [8]  إلى الميل لاستخدام المعلومات التي يتمكن المرء من تذكرها بسرعة. هذا التحيز مفيد حين تريد أن تشتري آيس كريم من مكان لديه 50 نكهة مختلفة؛ لا تحتاج أن تفكر في النكهات كلها، ولكن تكفيك نكهة واحدة فقط جربتها مؤخرًا وأعجبتك. للأسف، قد تعني هذه الاختصارات العقلية أنك ستنتهي باتخاذ قرار غير عقلاني.

أحد أشكال التحيز المعرفي يدعى بالتنافر المعرفي [9] . وهو الشعور بعدم الراحة الذي يمكن أن تشعر بها عندما تتعارض معتقداتك مع أفعالك أو معلوماتك الجديدة. عندما يكون الناس في هذه الحالة، يمكنهم التقليل من هذا التنافر المعرفي بإحدى طريقتين: تغيير معتقداتهم لتتوافق مع المعلومات الجديدة أو تفسير المعلومات الجديدة بطريقة تبرر معتقداتهم الأصلية. في كثير من الحالات، يأخذ الناس بالخيار الأخير، سواء أكان ذلك بوعي منهم أم بغير وعي.

على سبيل المثال، ربما تعتقد عن نفسك أنك نشيط، ولست كسولًا على الإطلاق - لكنك تقضي يوم السبت كله مستلقيًا على الأريكة منغمسًا في مشاهدة تلفزيون الواقع [10] . يمكنك إما أن تبدأ في التفكير في نفسك بطريقة جديدة أو في تبرير سلوكياتك، ربما بقولك إنه كان أسبوعًا مزدحمًا بالفعل بالنسبة لك وأحتاج إلى راحة حتى أتمكن من ممارسة التمارين الرياضية غدًا.

التحيز التأكيدي هو عملية أخرى تساعدك على تبرير معتقداتك. فهو ينطوي على تفضيل المعلومات التي تدعم معتقداتك والتقليل من أهمية المعلومات أو تجاهلها إذا كانت غير ذلك. وقد أطلق بعض الباحثين على هذا ب ”العين الغضيضة my side blindness“ «انظر 11» - يرى الناس العيوب في الحجج التي تتعارض مع حججهم ولكنهم ليسوا قادرين على أن يروا نقاط الضعف في أنفسهم. صوّر مشجعي فريق كرة القدم الذي ربح الموسم الرياضي لكرة القدم الامريكية، مححاججين أن فريقهم قوي بالفعل، مبرزين اخفاقات الفرق الأخرى ولكن ليس فريقهم.

مع تراجع دور وسائل الإعلام في العقود القليلة الماضية وزيادة وسائل الإعلام المتخصصة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن تحيط نفسك برسائل تتوافق مع وجهة نظرك بالفعل والتقليل من التعرض للرسائل التي لا ترغب فيها. فقاعات المعلومات هذه تقلل من التنافر المعرفي ولكنها أيضًا تصعّب عليك تغيير رأيك عندما تكون مخطئًا.

تدعيم معتقداتك عن نفسك

قد يكون من الصعب بشكل خاص تغيير بعض معتقداتك الأساسية لمفهوم ذاتك [12]  - أي ماذا تعتقده عن نفسك «من أنا؟». على سبيل المثال، إذا كنت تعتقد أنك شخص لطيف ولم تعطِ حق أولوية المرور لشخص ما، فبدلاً من أن تعتقد أنك ربما لم تكن لطيفًا معه، فمن السهل عليك أن تعتقد أن هذا الشخص الآخر كان يقود سيارته بطيش.

هذه العلاقة بين المعتقدات ومفهوم الذات يمكن توطيدها من خلال الانتماءات إلى مجموعات كالأحزاب السياسية أو الطوائف أو غيرهم من المفكرين ذوي التفكير المماثل. غالبًا ما تكون هذه المجموعات عبارة عن فقاعات اعتقاد [المترجم: المقصود بها هنا تجمعات المعتقدات المنغلقة على نفسها] حيث غالبية أعضاء المجموعة يعتقدون بنفس الاعتقاد ويرددون هذه المعتقدات لبعضهم البعض، مما يعزز فكرة أن معتقداتهم صحيحة.

وجد الباحثون أن الناس يعتقدون عمومًا أنهم على معرفةً بقضايا معينة أكثر مما يعرفونه بالفعل [14] . وهذا قد أُثبت من خلال مجموعة متنوعة من الدراسات التي تناولت اللقاحات وغزو روسيا لأوكرانيا وحتى كيف تعمل المراحيض «انظر كتاب وهم المعرفة، 15». ثم تنتقل هذه الأفكار من شخص لآخر دون أن تكون مبنية على حقائق. على سبيل المثال، يقول 70٪ من الجمهوريين إنهم لا يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 كانت حرة ونزيهة على الرغم من عدم وجود أي دليل على انتشار التزوير في هذه الانتخابات [16] .

قد يكون من الصعب تفكيك فقاعات المعتقدات [المترجم: تجمعات المعتقدات المنغلقة على نفسها] والدفاع عنها مقابل التنافر المعرفي. ويمكن أن يكون لها تأثيرات بَعْدية مهمة. على سبيل المثال، تؤثر هذه الآليات النفسية على الطرق التي قد اختار الناس ما إذا عليهم الامتثال أو عدم الامتثال لإرشادات الصحة العامة بشأن التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات أثناء جائحة COVID-19، والتي قد يكون لها في بعض الأحيان تبعات مميتة.

من الصعب تغيير آراء الناس. بالنظر إلى التحيز التأكيدي، فإنه من المحتمل ألاّ تؤخذ في الاعتبار الحجج القائمة على الأدلة المتعارضة مع ما يعتقده الشخص. أفضل طريقة لتغيير رأيك هي أن تبدأ بنفسك. بعقل منفتح بقدر ما يمكنك استجماعه، فكر في لماذا تعتقد بما تفعله. هل أنت بالفعل تفهم المشكلة / القضية؟ هل يمكنك التفكير فيها بطريقة مختلفة؟

بصفتي برفسورًا، أحب أن ينخرط طلابي في مناقشة الأفكار من جوانب يختلفون معها شخصيًا، هذا التكتيك يقضي إلى فهم أعمق للقضايا ويجعلهم يتساءلون عن معتقداتهم / وجهات نظرهم. جربها بنفسك. قد تتفاجأ بما ينتهي بك الأمر.

مصادر من داخل وخارج النص

[1]  https://www.nbcnews.com/id/wbna42519951

[2]  https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2020/05/birtherism-and-trump/610978/

[3]  https://www.npr.org/2011/01/07/132740175/paul-offit-on-the-anti-vaccine-movement

[4]  https://www.vaccines.gov/basics/safety

[5]  https://doi.org/10,1016/j.dr.2008,01.002

[6]  https://ajph.aphapublications.org/doi/10,2105/AJPH.2008,155382

[7]  https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2018/09/cognitive-bias/565775/

[8]  ”التوافر الإرشادي «Availability Heuristic»: يُسمى أيضاً“ التحيز للمتوفر ”«Availability Bias»، وهو تحيز سلوكي يظهر عندما يميل الناس لاتخاذ قرارات أو إصدار أحكام حول موضوع ما استناداً إلى مدى سهولة المعلومة أو المثال الذي يتبادر إلى الذهن لحظة تقييم هذا الموضوع أو الخيار. على سبيل المثال، قد يحكم المستثمرون على جودة الاستثمار بناء على المعلومات التي تم إذاعتها مؤخراً في وسائل الإعلام، متجاهلين بذلك كل الحقائق الأخرى ذات الصلة. يمكن أن يؤدي التوافر الإرشادي دوراً في العديد من التقديرات، مثل أسعار المنتجات أو الخدمات، ونجاح أو فشل منتج ما. يُطلق على التوافر الإرشادي أيضا مصطلح“ عقلية بحسب الظروف «أو بحسب وجريات الأمور» ”، ذلك أنه يقوم على مبدأ نفسي فحواه أن تذكر أمر ما يعني أنه أمر مهم، أو على الأقل أكثر أهمية من الخيارات البديلة التي لا يتم تذكرها بسهولة، وبالتالي، يميل الناس الذين يتبعون هذه العقلية إلى بناء قراراتهم بشكل أساسي على المعلومات الأكثر حداثة، وهذا ما يجعل للأخبار وسائل الإعلام تأثيراً كبيراً حتى وإن كانت أخباراً مزيفة.“ اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://hbrarabic.com/المفاهيم - الإدارية/التوافر - الإرشادي/

[9]  https://www.sup.org/books/title/?id=3850

[10]  https://ar.wikipedia.org/wiki/تلفزيون_الواقع

[11]  https://www.hup.harvard.edu/catalog.php?isbn=9780674237827

[12]  https://theconversation.com/misinformation-and-biases-infect-social-media-both-intentionally-and-accidentally-97148

[13]  ”مفهوم الذات «ويُعرف أيضا باسم تكوين الذات أو الهوية الذاتية أو الهيكل الذاتي» هو مجموع العقائد والأفكار بخصوص النفس. بصورة عامة، يجسد مفهوم الذات الإجابة عن سؤال“ من أنا؟ " اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/مفهوم_الذات

[14]  https://www.vox.com/science-and-health/2019/1/31/18200497/dunning-kruger-effect-explained-trump

[15]  https://www.penguinrandomhouse.com/books/533524/the-knowledge-illusion-by-steven-sloman-and-philip-fernbach/

[16]  https://www.politico.com/news/2020/11/09/republicans-free-fair-elections-435488

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/your-brains-built-in-biases-insulate-your-beliefs-from-contradictory-facts-150509